إبحث فى المدونة والروابط التابعة
بعلزبول .. ملك العالم السفلى
البروتوكول الأول :-
إننا نتناول كل فكرة على حدة ، ونمحصها تمحيصا بالمقارنة والاستنتاج ، حتى تتبين ماهيتها بذاتها ، ونرى ما يلابسها ويحيط بها من حقائق ، وأما أسلوب الكلام فنجرى عليه سهلا خاليا من زخارف الصناعة.
وما على أن أبدأ بشرحه الآن هو منهجنا فى العمل ، فأشرح ذلك من ناحيتين : وجهة نظرنا ، ووجهة نظر الجوييم (الأغيار أى غير اليهود).
وأول ما يجب أن يلاحظ أن الناس على طبيعتين : الذين غرائزهم سقيمة ، والذين غرائزهم سليمة ، والأولون أكثر عددا. ولهذا السبب فخير النتائج التى يراد تحقيقها من التسلط على الجوييم عن طريق الحكومات ، إنما يكون بالعنف والإرهاب ، لا بالمجادلات النظرية المجردة ، إذ أن كل امرئ مشتهاه الوصول إلى امتلاك زمام السلطة ، وكل فرد يود لو يصبح ديكتاتورا ، وقليلون الذين لا يشتهون التضحية بمصالح الجمهور من أجل منافعهم الخاصة.
ولعمرى ما هى الروادع التى تكف الحيوانات المفترسة عن الوثوب ، وهذه الحيوانات ما هى إلا الجوييم ؟ ومالذى قام فيهم حتى اليوم لضبط أحوالهم ؟
أما بدايتهم - بداية تكوين المجتمع - فإنهم كانوا مأخوذين بالقهر من القوة الغاشمة العمياء ، ولهذه القوة كانوا خانعين ، أما بعد ذلك فقد سيطر عليهم القانون الموضوع ، وهو القوة الغاشمة نفسها ولكنه جاء بزى مختلف فى المظهر لا غير. وأستنتج من هذا أنه بموجب قانون الطبيعة فالحق قوة.
والحرية السياسية إنما هى فكرة مجردة لا واقع حقيقى لها ، وهذه الفكرة - وهى الطعم فى الشرك - على الواحد منا أن يعلم كيف يطبقها حيث تدعو الضرورة ، لاستغواء الجماهير والجماعات إلى حزبه ، إبتغاء أن يقوم هذا الحزب فيسحق الحزب المناوئ له , وهو الحزب الذى بيده السلطة والحكومة.
وهذا العمل يصبح أهون وأيسر إذا كان الحزب المراد البطش به قد أخذته عدوى فكرة الحرية المسماة باسم الليبرالية ، وهذا الحزب مستعد من أجل إدراك هذه الفكرة المجردة أن ينزل عن بعض سلطته ، وهنا - جزما - يكون مطلع انتصار فكرتنا ، وتحدث حينئذ حال أخرى : فما للحكومة من زمام يكون قد استرخى وأخذ بالانحلال فورا ، وهذا من عمل قانون الحياة ، فتتسلط اليد الجديدة على الزمام وتجمع بعضه إلى بعض وتقيمه ، لأن القوة العمياء فى الأمة لا تقوى على البقاء يوما واحدا دون أن يكون لها من يهيمن عليها بالضبط والإرشاد ، ثم تمضى الحكومة الجديدة بالأمر , وجل ما تفعله أنها تحل محل الحكومة السابقة التى أنهكتها فكرة الليبرالية حتى أودت بها.
وهذه الحكومة مصيرها الاضمحلال ، سواء عليها أدفنت هى نفسها بالانتفاضات الآكلة بعضها بعضا من الداخل ، أو جرها هذا بالتالى إلى الوقوع فى براثن عدو من الخارج ، ففى الحالتين تعتبر أنها أصيبت فى مقاتلها ، فغدت أعجز من أن تقوى على النهوض لتقيل نفسها من عثرتها ، فإذا بها فى قبضة يدنا ، وحينئذ تأتى سلطة رأس المال وتكون جاهزة ، فتمد هذه السلطة بطرف حبل خفى إلى تلك الحكومة الجديدة ، فتتعلق به طوعا أو كرها لحاجتها الماسة إليه ، فإن لم تفعل هوت إلى القاع.
فإذا قال قائل من هواة الليبرالية إن كان هذا المنهج المتقدمة صورته يتنافى وشرع الأخلاق ، سألناه : إذا كان لكل دولة عدوان ، وجاز للدولة فى مكافحة العدو الخارجى أن تستعمل كل طريقة ووسيلة وحيلة ، دون أن يعد عليها هذا أو ذاك أنه شئ لا تقره الأخلاق ، أفلا يكون من باب أولى فى مكافحة العدو الداخلى ، الذى هو شر من ذلك ، وهو العدو المخرب لكيان المجتمع ومصالح الجمهور ، أن تستعمل تلك الوسائل للقضاء عليه ؟ وكيف يمكن القول أن هذا الأمر إذا جاز هناك فلا يجوز هنا ؟ والحق الذى لا ريب فيه أن تلك الوسائل إذا كانت مباحة مطلقة هناك ، فلا تكون منهيا عنها هنا.
ولعمرى كيف يمكن لأى حكيم بصير أن يأمل فى إدراك الفلاح والفوز فى قيادة الجماهير إلى حيث يريد ، إذا كانت عدته هى مجرد الاعتماد على منطق الرأى والإرشاد والجدل والمقال ، حينما تعترضه مقاومة ، أو يرميه خصم بعورة ولو كانت من الترهات ، وأصغت الجماهير لهذا وهى لا تذهب فى تحليل الأمور لأبعد من الظاهر السطحى ؟
فالسياسة مدارها غير مدار الأخلاق ، ولا شئ مشترك بينهما ، والحاكم الذى يخضع لمنهج الأخلاق لا يكون سائسا حاذقا ، فيبقى عرشه مهزوزا متداعيا ، وأما الحاكم اللبيب الذى يريد أن يبسط حكمه فيجعله وطيدا ، يجب عليه أن يكون ذا خصلتين : الدهاء النافذ ، والمكر الخادع. وأما تلك الصفات التى يقال أنها من الفضائل العالية ، كالصراحة فى إخلاص ، والأمانة فى شرف ، فهى تعد فى السياسة من النقائص لا الفضائل ، وهى تسرع بالحكام إلى أن يتدحرجوا من فوق عروشهم بلا منقذ لهم ، ويكون هذا أكيد لهم وأنكى وأقوى فى تفكيكهم وتهديمهم ، مما يمكن أن يأتيهم من أكبر عدو يتربص بهم. وتلك الصفات منابتها فى ممالك الجوييم وحكوماتهم ، فهى منهم وهم بها أولى. وحذار حذار أن نقبل نحن مثل هذا.
حقنا منبعه القوة. وكلمة "حق" وجدانية معنوية مجردة وليس على صحتها دليل ، ومفادها لا شئ أكثر من هذا : أعطنى ما أريد ، فأبرهن بهذا على أننى أقوى منك.
فأين يبدأ الحق وأين ينتهى ؟
إننى أجد فى كل دولة استولى الفساد على إدارتها ، ولم تبق هيبة ولا سطوة لقوانينها ، ولا مقامات مرعية لحكامها ، وانطلق الناس إلى مطالب الحقوق ينادون بمطلب جديد ويسقطون آخر كل ساعة ، فاختلطت دعاويهم وتضاربت ، وصار لكل حزب من الافتتان والهوى حق باسم الليبرالية ، أجد فى مثل هذا الموطن أن أهاجم باسم الحق وهو حق القوة ، فأنثر فى الهواء جميع هياكل الأنظمة والأجهزة الجوفاء ، وآتى بشئ جديد يحل محل الذاهب ، وأجعل نفسى سيدا حاكما على هؤلاء الذين تركوا لنا الحقوق التى كانوا يبنون عليها حكمهم ، وأما مصيرهم هم فهو الاستسلام إلى ما كانوا يحملون من عقائد ليبرالية.
وتتميز قوتنا فى هذه الحالة الرجراجة عن كل قوة أخرى بمميزات أمنع وأثبت وأقوى على رد العادية ، لأنها تبقى وراء الستار متخفية حتى يحين وقتها ، وقد نضجت واكتملت عدتها ، فتضرب ضربتها وهى عزيزة ، ولا حيلة لأحد فى النيل منها أو الوقوف فى وجهها.
ومن هذا الشر المؤقت الذى نكره على إيقاعه يخرج الخير ، وهو حكم الخير الجديد الذى لا تهزه ريح ، فيرد الأمور المنحرفة فى الحياة إلى نصابها ويجعلها فى الطريق القويم ، وكل هذا كانت الليبرالية قد مزقته. والنتائج تبرر الأسباب والوسائل ، فعلينا فى وضع منهجنا أن نراعى ما هو أفيد وضرورى أكثر مما نراعى ما هو أصلح وأخلاقى.
وأمامنا الآن مخطط ، وفى هذا المخطط رسم الطريق الذى يجب علينا أن نسلكه نحو غايتنا ، وليس لنا أن نحيد عن هذا قيد شعرة ، وإذا فعلنا ذلك مجازفة ومخاطرة فسنخسر نتائج عملنا لعدة قرون ، ويذهب كله سدى.
ولكى نوفق إلى بناء الأمور على ما نريد من الصحة والكمال فى أفعالنا ، لابد لنا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يكون عليه جمهور الدهماء من طباع خسة ونذالة ، وتراخ وقلة استقرار ، وفقدان القدرة على فهم أمور حياتهم ، وافتقارهم إلى نظرة الجد وصحة العزم ، فهم متعامون عن رؤية مصالحهم. ويجب أن يكون واضحا أن قوة الدهماء عمياء ، تفتقر للشعور وللفهم والاستيعاب على نطاق المعقول ، وهى أبدا رهن أى استفزاز يستفزها من أى ناحية ، والأعمى لا يقود إلا الى الهاوية ، وفى النهاية يخرج أفراد من الدهماء ومن سواد الشعب من لا يعدون أن يكونوا ممن لا خبرة لهم ولا سابق تجربة ، وقد يكون لهم من النبوغ مظهر براق ، ولكن لقصورهم عن النفاذ إلى بواطن السياسة الخفية ، فإنهم لا يلبثون - إذا استطاعوا أولا بلوغ الزعامة والقيادة - أن يهووا ، فتهوى معهم الأمة وينتقض الحبل كله.
وإنما بوسع رجل واحد مجرب ، ربى منذ الصغر على فهم الحكم المستقل وتمرس به ، أن يعى ويزن جيدا الكلمات التى تتركب منا أبجدية السياسة.
ولا يتم وضع المخطط وضعا كاملا محكما إلى آخر مداه إلا على يد حاكم مستبد قاهر ، يقوم على ذلك حتى النهاية ، ثم يوزعه أجزاءه على أجهزة الدولة ، ونستنتج من هذا بالضرورة أن الوضع الذى ينبغى أن تكون عليه الدولة مع اللياقة والكفاية ، هو الوضع الذى يجتمع كله فى يد رجل مسئول. وبلا سلطة مطلقة لا حياة للحضارة ، والحضارة لا تقوم على الدهماء ولكن على من يقود الدهماء ، أيا من كان ذلك الرجل القائد ، فالدهماء قوة همجية ، وتظهر هذه القوة فى كل مناسبة ، وفى اللحظة التى تتسلم فيها الحرية وتجد نفسها قادرة على التصرف كيف تشاء تقع الفوضى فورا ، وهذا النوع من التخبط أسوأ أنواع التردى الإنسانى الأعمى.
أنظروا إلى الحيوانات المدمنة على المسكر تدور برؤوس دائخة ، ترى من حقها المزيد منه فتاناله إذا نالت الحرية ، فهذا لا يليق بنا ولا نسلك نحن هذه الدروب ، فشعوب الجوييم قد رنحتها الخمور ، وشبابهم قد استولت عليهم البلادة نتيجة ذلك ، فأخملتهم وألصقتهم بالبقاء على القديم الموروث الذى عرفوه ونشأوا عليه ، ويجب أن يزدادوا إغراء بأوضاعهم هذه على يد المعدين من جهتنا للدفع بهم فى هذا الاتجاه ، كالمعلمين المنتدبين للتعليم الخاص ، والخدم والمربيات والحاضنات فى بيوت الأغنياء ، والكتبة والموظفين فى الأعمال المكتبية وسواهم ، وكالنساء منا فى المقاصف وأماكن الملذات التى يرتادها الجوييم. وفى عداد هذا النوع الأخير أذكر ما يسمى عادة بمجتمع السيدات أو المجتمع النسائى ، حيث المعاشرة مباحة للفساد والترف ، وشعارنا ضد هذا : العنف ، وأخذ الناس بالحيلة حتى يعتقدوا أن هذا الشئ الذى تتعلق به الحيلة كأنه صحيح لا ريب فيه ، وإنما بالعنف وحده يتم لنا الغلبة فى الأمور السياسية ، ولا سيما إذا كانت أدوات العنف مخفية ، من المواهب الذهنية الضرورية لرجال السياسة. فالعنف يجب أن يتخذ قاعدة وكذلك المكر والخداع ، وما قلناه ينبغى أن يكون شعارا ، وكل هذا فائدته العملية أن يتخذ قاعدة فى الحكومات التى يراد أن تتخلى عن تيجانها تحت أقدام الممثل الجديد لعهد جديد ، وهذا الشر هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ الغاية من الخير ، ولذلك لا ينبغى لنا أن نتردد فى استعمال الرشوة والخديعة والخيانة ، متى رأينا أن بهذا تتحقق الغاية ، وفى السياسة يجب على المسئول أن يعرف كيف تقتنص الفرصة فورا.
ودولتنا الماضية قدما فى طريقها - طريق الفتح السلمى - من حقها أن تبدل أهوال الفتن والحروب بما هو أخف وأهون وأخفى عن العيون ، وهو إصدار أحكام ضرورية بالموت من وراء ستار ، فيبقى الرعب قائما وقد تبدلت صورته ، فيؤدى ذلك إلى الخضوع الأعمى المطلوب.
قل إنها هى الشراسة ، ومتى كانت فى محلها ولا تتراجع إلى الرفق غدت عامل القوة الأكبر فى الدولة ، وان تعلقنا بهذا المنهج - ولا يراد به المكسب والمغنم فقط - بل نريده أيضا من أجل الواجب ، حتى نصل بالقافلة نحو النصر. ونعود فنقرر أنه العنف ، وأخذ الناس بالحيلة حتى يعتقدوا أن هذا الشئ الذى تتعلق به الحيلة كأنه صحيح لا ريب فيه.
فى الزمن الماضى كنا نحن أول من نادى فى جماهير الشعب بكلمات الحرية والعدالة والمساواة ، وهى كلمات لم تزل تتردد إلى اليوم ، ويرددها من هم أشبه بالببغاوات ، فأفسدوا على العالم رفاهيته كما أفسدوا على الفرد حريته الحقيقة ، وكانت قبل ذلك فى حرز من عبث الدهماء.
والذين يرجى أن يكونوا عقلاء حكماء من الجوييم وأهل فكر وروية ، لم يستطيعوا أن يفهموا شيئا من معانى هذه الألفاظ التى ينادون بها ، ولا أن يلاحظوا ما بينها من تناقض وتضارب ، وعجز أولئك أيضا عن أن يدركوا أن الدهماء قوة عمياء ، وأن النخبة الجديدة المختارة منهم لتولى المسئولية يفتقرون إلى التجربة. وهذه الأشياء كلها لم يفهم الجوييم من بواطنها وأسرارها شيئا ومع هذا فقد كانت عهود الحكم فى الماضى عند الجوييم تعتمد على هذه الأغاليط ، فكان الأب ينقل لابنه معرفة أصول السياسة ولا يشارك فيها أحدا إلا أفراد السلالة ، ولا أحد منهم يفتح هذا الباب للرعية ، ومع مرور الزمن أدى احتكار هذا الأمر فى السلالات إلى إصابته بالتشوش والإبهام حتى تلاشى واضمحل ، وهذا بالتالى ساعد فى إنجاح قضيتنا.
وفى جميع أنحاء الدنيا كان من شأن كلمات "الحرية" و"العدالة" و"المساواة" أن اجتذبت إلى صفوفنا على يد دعاتنا وعملائنا المسخرين من لا يحصيهم عدد من الذين رفعوا راياتنا بالهتاف ، وكانت هذه الكلمات واستغلالنا لها وتلاعبنا بها دائما هو السوس الذى ينخر فى رفاهية الجوييم ، ويقتلع الأمن والراحة من ربوعهم ، ويذهب بالهدوء ويسلبهم روح التضامن ، وينسف بالتالى جميع الأسس التى تقوم عليها دول الأغيار ، وهذا ساعدنا أيضا فى إحراز النصر ، فمما أعطانا القدرة على الوصول للورقة الرابحة هو سحق الامتيازات ، أو بتعبير آخر نسف أرستقراطية الجوييم نسفا تاما ، وقد كان أهل هذه الطبقة هم الدرع الوحيدة للدفاع عن الشعوب والبلدان فى وجهنا ، وعلى أنقاض أرستقراطية الجوييم بنينا أرستقراطية من طبقتنا الراقية المهذبة ، تتوجها أرستقراطية رأس المال ، وجعلنا أوصاف أرستقراطيتنا مستمدة من منبعين : المال ويقع أمره على عاتقنا ، والمعرفة وهى تستقى من حكمائنا الشيوخ ، وهى القوة الدافعة منهم.
والنصر الذى بلغناه قد جاء أيسر وأهون ، لأننا فى تعاملنا مع الناس الذين احتجنا إليهم كنا دائما نضرب على أدق الأوتار حساسية فى ذهن الإنسان ، مثل استغلال النهم للمال ، والشره للحاجات المادية والإفساد ، وكل واحدة من هذه النقائص الإنسانية إذا عملت وحدها كانت كافية لتشل نشاط الفرد كله ، وتجعل قوة إرادته مطاوعة مستجيبة للذى اشترى منه العمل.
وكان من شأن المعنى المجرد لكلمة "الحرية" أن ساعدنا فى إقناع الدهماء فى جميع البلدان أن حكوماتهم ماهى إلا حارس الشعب ، والشعب هو صاحب القضية ، فالحارس يمكن تبديله وتغييره ، كقفاز قديم ننبذه ونأتى بغيره.
وإنما هذه القدرة - القدرة على تبديل ممثلى الشعب - هى ما جعل الممثلين طوع أمرنا ، وأعطانا سلطة تسخيرهم.
إننا نتناول كل فكرة على حدة ، ونمحصها تمحيصا بالمقارنة والاستنتاج ، حتى تتبين ماهيتها بذاتها ، ونرى ما يلابسها ويحيط بها من حقائق ، وأما أسلوب الكلام فنجرى عليه سهلا خاليا من زخارف الصناعة.
وما على أن أبدأ بشرحه الآن هو منهجنا فى العمل ، فأشرح ذلك من ناحيتين : وجهة نظرنا ، ووجهة نظر الجوييم (الأغيار أى غير اليهود).
وأول ما يجب أن يلاحظ أن الناس على طبيعتين : الذين غرائزهم سقيمة ، والذين غرائزهم سليمة ، والأولون أكثر عددا. ولهذا السبب فخير النتائج التى يراد تحقيقها من التسلط على الجوييم عن طريق الحكومات ، إنما يكون بالعنف والإرهاب ، لا بالمجادلات النظرية المجردة ، إذ أن كل امرئ مشتهاه الوصول إلى امتلاك زمام السلطة ، وكل فرد يود لو يصبح ديكتاتورا ، وقليلون الذين لا يشتهون التضحية بمصالح الجمهور من أجل منافعهم الخاصة.
ولعمرى ما هى الروادع التى تكف الحيوانات المفترسة عن الوثوب ، وهذه الحيوانات ما هى إلا الجوييم ؟ ومالذى قام فيهم حتى اليوم لضبط أحوالهم ؟
أما بدايتهم - بداية تكوين المجتمع - فإنهم كانوا مأخوذين بالقهر من القوة الغاشمة العمياء ، ولهذه القوة كانوا خانعين ، أما بعد ذلك فقد سيطر عليهم القانون الموضوع ، وهو القوة الغاشمة نفسها ولكنه جاء بزى مختلف فى المظهر لا غير. وأستنتج من هذا أنه بموجب قانون الطبيعة فالحق قوة.
والحرية السياسية إنما هى فكرة مجردة لا واقع حقيقى لها ، وهذه الفكرة - وهى الطعم فى الشرك - على الواحد منا أن يعلم كيف يطبقها حيث تدعو الضرورة ، لاستغواء الجماهير والجماعات إلى حزبه ، إبتغاء أن يقوم هذا الحزب فيسحق الحزب المناوئ له , وهو الحزب الذى بيده السلطة والحكومة.
وهذا العمل يصبح أهون وأيسر إذا كان الحزب المراد البطش به قد أخذته عدوى فكرة الحرية المسماة باسم الليبرالية ، وهذا الحزب مستعد من أجل إدراك هذه الفكرة المجردة أن ينزل عن بعض سلطته ، وهنا - جزما - يكون مطلع انتصار فكرتنا ، وتحدث حينئذ حال أخرى : فما للحكومة من زمام يكون قد استرخى وأخذ بالانحلال فورا ، وهذا من عمل قانون الحياة ، فتتسلط اليد الجديدة على الزمام وتجمع بعضه إلى بعض وتقيمه ، لأن القوة العمياء فى الأمة لا تقوى على البقاء يوما واحدا دون أن يكون لها من يهيمن عليها بالضبط والإرشاد ، ثم تمضى الحكومة الجديدة بالأمر , وجل ما تفعله أنها تحل محل الحكومة السابقة التى أنهكتها فكرة الليبرالية حتى أودت بها.
وهذه الحكومة مصيرها الاضمحلال ، سواء عليها أدفنت هى نفسها بالانتفاضات الآكلة بعضها بعضا من الداخل ، أو جرها هذا بالتالى إلى الوقوع فى براثن عدو من الخارج ، ففى الحالتين تعتبر أنها أصيبت فى مقاتلها ، فغدت أعجز من أن تقوى على النهوض لتقيل نفسها من عثرتها ، فإذا بها فى قبضة يدنا ، وحينئذ تأتى سلطة رأس المال وتكون جاهزة ، فتمد هذه السلطة بطرف حبل خفى إلى تلك الحكومة الجديدة ، فتتعلق به طوعا أو كرها لحاجتها الماسة إليه ، فإن لم تفعل هوت إلى القاع.
فإذا قال قائل من هواة الليبرالية إن كان هذا المنهج المتقدمة صورته يتنافى وشرع الأخلاق ، سألناه : إذا كان لكل دولة عدوان ، وجاز للدولة فى مكافحة العدو الخارجى أن تستعمل كل طريقة ووسيلة وحيلة ، دون أن يعد عليها هذا أو ذاك أنه شئ لا تقره الأخلاق ، أفلا يكون من باب أولى فى مكافحة العدو الداخلى ، الذى هو شر من ذلك ، وهو العدو المخرب لكيان المجتمع ومصالح الجمهور ، أن تستعمل تلك الوسائل للقضاء عليه ؟ وكيف يمكن القول أن هذا الأمر إذا جاز هناك فلا يجوز هنا ؟ والحق الذى لا ريب فيه أن تلك الوسائل إذا كانت مباحة مطلقة هناك ، فلا تكون منهيا عنها هنا.
ولعمرى كيف يمكن لأى حكيم بصير أن يأمل فى إدراك الفلاح والفوز فى قيادة الجماهير إلى حيث يريد ، إذا كانت عدته هى مجرد الاعتماد على منطق الرأى والإرشاد والجدل والمقال ، حينما تعترضه مقاومة ، أو يرميه خصم بعورة ولو كانت من الترهات ، وأصغت الجماهير لهذا وهى لا تذهب فى تحليل الأمور لأبعد من الظاهر السطحى ؟
فالسياسة مدارها غير مدار الأخلاق ، ولا شئ مشترك بينهما ، والحاكم الذى يخضع لمنهج الأخلاق لا يكون سائسا حاذقا ، فيبقى عرشه مهزوزا متداعيا ، وأما الحاكم اللبيب الذى يريد أن يبسط حكمه فيجعله وطيدا ، يجب عليه أن يكون ذا خصلتين : الدهاء النافذ ، والمكر الخادع. وأما تلك الصفات التى يقال أنها من الفضائل العالية ، كالصراحة فى إخلاص ، والأمانة فى شرف ، فهى تعد فى السياسة من النقائص لا الفضائل ، وهى تسرع بالحكام إلى أن يتدحرجوا من فوق عروشهم بلا منقذ لهم ، ويكون هذا أكيد لهم وأنكى وأقوى فى تفكيكهم وتهديمهم ، مما يمكن أن يأتيهم من أكبر عدو يتربص بهم. وتلك الصفات منابتها فى ممالك الجوييم وحكوماتهم ، فهى منهم وهم بها أولى. وحذار حذار أن نقبل نحن مثل هذا.
حقنا منبعه القوة. وكلمة "حق" وجدانية معنوية مجردة وليس على صحتها دليل ، ومفادها لا شئ أكثر من هذا : أعطنى ما أريد ، فأبرهن بهذا على أننى أقوى منك.
فأين يبدأ الحق وأين ينتهى ؟
إننى أجد فى كل دولة استولى الفساد على إدارتها ، ولم تبق هيبة ولا سطوة لقوانينها ، ولا مقامات مرعية لحكامها ، وانطلق الناس إلى مطالب الحقوق ينادون بمطلب جديد ويسقطون آخر كل ساعة ، فاختلطت دعاويهم وتضاربت ، وصار لكل حزب من الافتتان والهوى حق باسم الليبرالية ، أجد فى مثل هذا الموطن أن أهاجم باسم الحق وهو حق القوة ، فأنثر فى الهواء جميع هياكل الأنظمة والأجهزة الجوفاء ، وآتى بشئ جديد يحل محل الذاهب ، وأجعل نفسى سيدا حاكما على هؤلاء الذين تركوا لنا الحقوق التى كانوا يبنون عليها حكمهم ، وأما مصيرهم هم فهو الاستسلام إلى ما كانوا يحملون من عقائد ليبرالية.
وتتميز قوتنا فى هذه الحالة الرجراجة عن كل قوة أخرى بمميزات أمنع وأثبت وأقوى على رد العادية ، لأنها تبقى وراء الستار متخفية حتى يحين وقتها ، وقد نضجت واكتملت عدتها ، فتضرب ضربتها وهى عزيزة ، ولا حيلة لأحد فى النيل منها أو الوقوف فى وجهها.
ومن هذا الشر المؤقت الذى نكره على إيقاعه يخرج الخير ، وهو حكم الخير الجديد الذى لا تهزه ريح ، فيرد الأمور المنحرفة فى الحياة إلى نصابها ويجعلها فى الطريق القويم ، وكل هذا كانت الليبرالية قد مزقته. والنتائج تبرر الأسباب والوسائل ، فعلينا فى وضع منهجنا أن نراعى ما هو أفيد وضرورى أكثر مما نراعى ما هو أصلح وأخلاقى.
وأمامنا الآن مخطط ، وفى هذا المخطط رسم الطريق الذى يجب علينا أن نسلكه نحو غايتنا ، وليس لنا أن نحيد عن هذا قيد شعرة ، وإذا فعلنا ذلك مجازفة ومخاطرة فسنخسر نتائج عملنا لعدة قرون ، ويذهب كله سدى.
ولكى نوفق إلى بناء الأمور على ما نريد من الصحة والكمال فى أفعالنا ، لابد لنا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يكون عليه جمهور الدهماء من طباع خسة ونذالة ، وتراخ وقلة استقرار ، وفقدان القدرة على فهم أمور حياتهم ، وافتقارهم إلى نظرة الجد وصحة العزم ، فهم متعامون عن رؤية مصالحهم. ويجب أن يكون واضحا أن قوة الدهماء عمياء ، تفتقر للشعور وللفهم والاستيعاب على نطاق المعقول ، وهى أبدا رهن أى استفزاز يستفزها من أى ناحية ، والأعمى لا يقود إلا الى الهاوية ، وفى النهاية يخرج أفراد من الدهماء ومن سواد الشعب من لا يعدون أن يكونوا ممن لا خبرة لهم ولا سابق تجربة ، وقد يكون لهم من النبوغ مظهر براق ، ولكن لقصورهم عن النفاذ إلى بواطن السياسة الخفية ، فإنهم لا يلبثون - إذا استطاعوا أولا بلوغ الزعامة والقيادة - أن يهووا ، فتهوى معهم الأمة وينتقض الحبل كله.
وإنما بوسع رجل واحد مجرب ، ربى منذ الصغر على فهم الحكم المستقل وتمرس به ، أن يعى ويزن جيدا الكلمات التى تتركب منا أبجدية السياسة.
ولا يتم وضع المخطط وضعا كاملا محكما إلى آخر مداه إلا على يد حاكم مستبد قاهر ، يقوم على ذلك حتى النهاية ، ثم يوزعه أجزاءه على أجهزة الدولة ، ونستنتج من هذا بالضرورة أن الوضع الذى ينبغى أن تكون عليه الدولة مع اللياقة والكفاية ، هو الوضع الذى يجتمع كله فى يد رجل مسئول. وبلا سلطة مطلقة لا حياة للحضارة ، والحضارة لا تقوم على الدهماء ولكن على من يقود الدهماء ، أيا من كان ذلك الرجل القائد ، فالدهماء قوة همجية ، وتظهر هذه القوة فى كل مناسبة ، وفى اللحظة التى تتسلم فيها الحرية وتجد نفسها قادرة على التصرف كيف تشاء تقع الفوضى فورا ، وهذا النوع من التخبط أسوأ أنواع التردى الإنسانى الأعمى.
أنظروا إلى الحيوانات المدمنة على المسكر تدور برؤوس دائخة ، ترى من حقها المزيد منه فتاناله إذا نالت الحرية ، فهذا لا يليق بنا ولا نسلك نحن هذه الدروب ، فشعوب الجوييم قد رنحتها الخمور ، وشبابهم قد استولت عليهم البلادة نتيجة ذلك ، فأخملتهم وألصقتهم بالبقاء على القديم الموروث الذى عرفوه ونشأوا عليه ، ويجب أن يزدادوا إغراء بأوضاعهم هذه على يد المعدين من جهتنا للدفع بهم فى هذا الاتجاه ، كالمعلمين المنتدبين للتعليم الخاص ، والخدم والمربيات والحاضنات فى بيوت الأغنياء ، والكتبة والموظفين فى الأعمال المكتبية وسواهم ، وكالنساء منا فى المقاصف وأماكن الملذات التى يرتادها الجوييم. وفى عداد هذا النوع الأخير أذكر ما يسمى عادة بمجتمع السيدات أو المجتمع النسائى ، حيث المعاشرة مباحة للفساد والترف ، وشعارنا ضد هذا : العنف ، وأخذ الناس بالحيلة حتى يعتقدوا أن هذا الشئ الذى تتعلق به الحيلة كأنه صحيح لا ريب فيه ، وإنما بالعنف وحده يتم لنا الغلبة فى الأمور السياسية ، ولا سيما إذا كانت أدوات العنف مخفية ، من المواهب الذهنية الضرورية لرجال السياسة. فالعنف يجب أن يتخذ قاعدة وكذلك المكر والخداع ، وما قلناه ينبغى أن يكون شعارا ، وكل هذا فائدته العملية أن يتخذ قاعدة فى الحكومات التى يراد أن تتخلى عن تيجانها تحت أقدام الممثل الجديد لعهد جديد ، وهذا الشر هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ الغاية من الخير ، ولذلك لا ينبغى لنا أن نتردد فى استعمال الرشوة والخديعة والخيانة ، متى رأينا أن بهذا تتحقق الغاية ، وفى السياسة يجب على المسئول أن يعرف كيف تقتنص الفرصة فورا.
ودولتنا الماضية قدما فى طريقها - طريق الفتح السلمى - من حقها أن تبدل أهوال الفتن والحروب بما هو أخف وأهون وأخفى عن العيون ، وهو إصدار أحكام ضرورية بالموت من وراء ستار ، فيبقى الرعب قائما وقد تبدلت صورته ، فيؤدى ذلك إلى الخضوع الأعمى المطلوب.
قل إنها هى الشراسة ، ومتى كانت فى محلها ولا تتراجع إلى الرفق غدت عامل القوة الأكبر فى الدولة ، وان تعلقنا بهذا المنهج - ولا يراد به المكسب والمغنم فقط - بل نريده أيضا من أجل الواجب ، حتى نصل بالقافلة نحو النصر. ونعود فنقرر أنه العنف ، وأخذ الناس بالحيلة حتى يعتقدوا أن هذا الشئ الذى تتعلق به الحيلة كأنه صحيح لا ريب فيه.
فى الزمن الماضى كنا نحن أول من نادى فى جماهير الشعب بكلمات الحرية والعدالة والمساواة ، وهى كلمات لم تزل تتردد إلى اليوم ، ويرددها من هم أشبه بالببغاوات ، فأفسدوا على العالم رفاهيته كما أفسدوا على الفرد حريته الحقيقة ، وكانت قبل ذلك فى حرز من عبث الدهماء.
والذين يرجى أن يكونوا عقلاء حكماء من الجوييم وأهل فكر وروية ، لم يستطيعوا أن يفهموا شيئا من معانى هذه الألفاظ التى ينادون بها ، ولا أن يلاحظوا ما بينها من تناقض وتضارب ، وعجز أولئك أيضا عن أن يدركوا أن الدهماء قوة عمياء ، وأن النخبة الجديدة المختارة منهم لتولى المسئولية يفتقرون إلى التجربة. وهذه الأشياء كلها لم يفهم الجوييم من بواطنها وأسرارها شيئا ومع هذا فقد كانت عهود الحكم فى الماضى عند الجوييم تعتمد على هذه الأغاليط ، فكان الأب ينقل لابنه معرفة أصول السياسة ولا يشارك فيها أحدا إلا أفراد السلالة ، ولا أحد منهم يفتح هذا الباب للرعية ، ومع مرور الزمن أدى احتكار هذا الأمر فى السلالات إلى إصابته بالتشوش والإبهام حتى تلاشى واضمحل ، وهذا بالتالى ساعد فى إنجاح قضيتنا.
وفى جميع أنحاء الدنيا كان من شأن كلمات "الحرية" و"العدالة" و"المساواة" أن اجتذبت إلى صفوفنا على يد دعاتنا وعملائنا المسخرين من لا يحصيهم عدد من الذين رفعوا راياتنا بالهتاف ، وكانت هذه الكلمات واستغلالنا لها وتلاعبنا بها دائما هو السوس الذى ينخر فى رفاهية الجوييم ، ويقتلع الأمن والراحة من ربوعهم ، ويذهب بالهدوء ويسلبهم روح التضامن ، وينسف بالتالى جميع الأسس التى تقوم عليها دول الأغيار ، وهذا ساعدنا أيضا فى إحراز النصر ، فمما أعطانا القدرة على الوصول للورقة الرابحة هو سحق الامتيازات ، أو بتعبير آخر نسف أرستقراطية الجوييم نسفا تاما ، وقد كان أهل هذه الطبقة هم الدرع الوحيدة للدفاع عن الشعوب والبلدان فى وجهنا ، وعلى أنقاض أرستقراطية الجوييم بنينا أرستقراطية من طبقتنا الراقية المهذبة ، تتوجها أرستقراطية رأس المال ، وجعلنا أوصاف أرستقراطيتنا مستمدة من منبعين : المال ويقع أمره على عاتقنا ، والمعرفة وهى تستقى من حكمائنا الشيوخ ، وهى القوة الدافعة منهم.
والنصر الذى بلغناه قد جاء أيسر وأهون ، لأننا فى تعاملنا مع الناس الذين احتجنا إليهم كنا دائما نضرب على أدق الأوتار حساسية فى ذهن الإنسان ، مثل استغلال النهم للمال ، والشره للحاجات المادية والإفساد ، وكل واحدة من هذه النقائص الإنسانية إذا عملت وحدها كانت كافية لتشل نشاط الفرد كله ، وتجعل قوة إرادته مطاوعة مستجيبة للذى اشترى منه العمل.
وكان من شأن المعنى المجرد لكلمة "الحرية" أن ساعدنا فى إقناع الدهماء فى جميع البلدان أن حكوماتهم ماهى إلا حارس الشعب ، والشعب هو صاحب القضية ، فالحارس يمكن تبديله وتغييره ، كقفاز قديم ننبذه ونأتى بغيره.
وإنما هذه القدرة - القدرة على تبديل ممثلى الشعب - هى ما جعل الممثلين طوع أمرنا ، وأعطانا سلطة تسخيرهم.
التسميات: بروتوكولات حكماء صهيون
Subscribe to:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق