إبحث فى المدونة والروابط التابعة

بعلزبول .. ملك العالم السفلى

بعلزبول .. ملك العالم السفلى
نتن ياهووووووووووووووووووووووووو

موجز الأنباء - الثلاثاء

شهيدان في غزة: الأول جراء انفجار قذيفة من مخلفات الاحتلال والثاني متأثرا بإصابته في قصف إسرائيلي

أسرار اللحظات الأخيرة في تراجع اتفاق التهدئة

مبارك يؤكد عدم الربط بين التهدئة وملف شاليط

عباس يشترط وقف إسرائيل الاستيطان قبل بدء التفاوض

نصر الله يدافع عن حق المقاومة بامتلاك دفاع جوي

علامات استفهام بإسرائيل بشأن تغير الموقف من التهدئة

إسرائيل تجدد التحذير من امتلاك إيران للسلاح النووي

باراك: إيران النووية تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل

نصر الله يدافع عن حق المقاومة بامتلاك دفاع جوي

حماس تفاجئ اسرائيل وتؤكد انها تحتفظ باشلاء جندي اسرائيلي

الطيران الحربي الإسرائيلي جدد قصفه لمنطقة الأنفاق
وفد حماس في القاهرة: الاحتلال أثـار قضية الجندي في اللحظات الأخيرة وعطل التهدئة
العنصرية ضد عرب 48 تميل بالكنيست يمينا

أطباء يدينون منعهم "الجائر" من عبور رفح

تركيا وثَّقت جرائم الصهاينة في غزة
تأجيل قضية تجميد اتفاقية كامب ديفيد إلى 30 مارس

تحت غطاء فرنسي وبوساطة رجل أعمال سكندري.. مستثمرون إسرائيليون يخططون لاستغلال أرض "كوتة" لإقامة فندق خمسة نجوم
إعتقال 11 اسرائيليا بتهمة السياحة الجنسية وتعاطي المخدرات في كولومبيا

إدانة إسرائيلي بتهمة 'التخابر لصالح إيران'
الأردن يطالب القيادة الإسرائيلية بالامتناع عن زيارته




المدونة
المجموعة البريدية

فى ضوء الانتخابات الأخيرة

شيرين فريد

تحدثنا كثيرا عن نتائج الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة، واشبعناها بحثا وتحليلا، وركز البعض منا على ظاهرة 'صانع الملوك'، افيغدور ليبرمان، زعيم حزب 'اسرائيل بيتنا'، ودوره 'كبيضة قبان' في مشاورات تشكيل اي حكومة مقبلة، ولكن كثيرين من المحللين، والكبار منهم خاصة، اغفلوا نقطة هامة واساسية، وهي كيف ان هذه النتائج كشفت الغباء الرسمي العربي في ابشع صوره، واشكاله، على صعيد فهم طبيعة المجتمع الاسرائيلي، ونفسيته، وحقيقة نظرته الينا كعرب.

الغباء العربي (يصفه البعض مرونة) بدأ يتبلور من خلال مبادرة السلام العربية التي ولدت في طبعتها الاصلية على يد 'القابلة' توماس فريدمان، الصحافي الامريكي المعروف، اثناء زيارته الى المملكة العربية السعودية، ولقائه مع العاهل السعودي (كان اميرا في حينها) الملك عبدالله بن عبد العزيز، وعندما رفضتها الحكومة الاسرائيلية بقيادة آرييل شارون في حينه، ثم قبلتها بتحفظ في عهد خليفته ايهود اولمرت، جاء من يقول للمسؤولين للعرب عليكم شرحها لنظرائكم الاسرائيليين في القدس المحتلة، فأوفدت الجامعة العربية، غير مشكورة، وزيري خارجية مصر والاردن للقيام بهذه المهمة السامية، وتأكيدا اضافيا لحسن النوايا.
الشرح لم يكن كافيا، رغم بلاغة المبعوثين، وخاصة السيد المفوه احمد ابو الغيط، الذي بزّ كل وزراء الخارجية المصريين الذين سبقوه في قوة التعبير، خاصة قوله المأثور في تكسير ارجل وعظام اي فلسطيني يتجرأ على اقتحام الحدود المصرية بحثا عن رغيف خبز، او علبة حليب لاطفاله، بسبب الحصار الاسرائيلي والمصري الرسمي على قطاع غزة.
الناصحون الاسرائيليون، ونعتقد ان شمعون بيريس الثعلب المخضرم شريك العرب في حوار الأديان، ابرزهم، اقترح النزول الى الشارع الاسرائيلي، والقفز فوق الزعماء، والنخب السياسية الحاكمة، والتواصل مع هذا المواطن او المستوطن الاسرائيلي مباشرة دون وسطاء، فهذا اجدى واكثر نفعا، لان هذا المواطن، اكثر ديمقراطية وانسانية وتفهما على عكس زعمائه الانتهازيين.

محور الاعتدال العربي التقط هذه النصيحة المخلصة، والثمينة، فورا، ووجد دعما لها من بعض رموز السلطة الفلسطينية، الذين نصّبوا انفسهم خبراء في فهم العقل الاسرائيلي بحكم التجربة وتقاسم العيش والملح، فقام بتمويل حملات اعلانية مدفوعة الاجر (قبل انخفاض اسعار النفط وحدوث الازمة الاقتصادية)، لنشر مبادرة السلام هذه في صدر صفحات الغالبية الساحقة من الصحف الاسرائيلية، مزينة بأعلام الدول الاسلامية جميعا، بما في ذلك العلم الايراني (احتجت ايران بعدها) ومذيلة بأختام وشعارات الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي، للتأكيد على التأييد المطلق لهذه الخطوة وللمبادرة معا، في سابقة فريدة من نوعها.
ولان الاموال المرصودة لهذه الحملة مغرية، خاصة لبعض السماسرة المستفيدين منها، ومن بينهم مسؤولون وابناء مسؤولين، فقد جرى توسيع دائرة الصحف والمطبوعات، ونشر الاعلانات نفسها، حول المبادرة نفسها، في صحف عربية عديدة، محلية ودولية، واخرى عالمية ناطقة بلغات عديدة من انكليزية وفرنسية والمانية وغيرها.
قلنا في حينها اننا نفهم، ولا نتفهم، نشر هذه الاعلانات عن المبادرة العربية باللغة العبرية في صحف اسرائيلية، ولكن لا نفهم ولا نتفهم نشرها في صحف عربية، وفلسطينية بالذات، لان هذا مثل التبشير بالمسيحية في الفاتيكان. ولم نجد اي اجابة عن استفسارنا، فقد طارت الطيور بأرزاقها على شكل عمولات وغيرها. وما زلنا حتى هذه اللحظة لا نعرف من الذي موّل، ومن الذي نصح، ومن الذي اشرف، وكأن هذه الخطوة مثل ابنة السيدة رشيدة داتي وزيرة العدل الفرنسية مجهولة الاب، لا يريد احد الاعتراف بأبوتها.
بعد كل هذه الحملات الاعلانية، وجولات حوار الاديان المتعددة، واللقاءات مع الحاخامات والسياسيين في القاعات الرسمية، وفي الغرف المغلقة، وتأليف القصائد، والخطب العصماء، في اهمية التعايش، والتسامح، وضرورة الانتباه الى العدو الايراني المشترك، ومواجهته 'موحدين'، ماذا حدث؟ الناخب الاسرائيلي مدّ لسانه الى العرب المعتدلين، ومنظري السلام ساخرا مستهزئا، ومصوتا للاحزاب اليمينية المتطرفة، وليبرمان على وجه الخصوص، الذي هدد بضرب السد العالي لاغراق المصريين، واهان كبير المعتدلين الرئيس حسني مبارك، عندما سخر منه، واتهمه بالتستر على الانفاق، وكرر طرح برنامجه في طرد جميع الفلسطينيين من عرب عام 1948، وجعل سحق حركة 'حماس' وعدم الانسحاب من الاراضي المحتلة كشرط لاي مشاركة له في اي حكومة اسرائيلية.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة عما اذا كان القادة العرب سيعترفون بعد كل هذا، بخطأ رهاناتهم، وفشل استراتيجيتهم السابقة، والبحث عن خيارات جديدة، تنقذ ماء وجههم، وتكفّر عن سيئاتهم، وما اكثرها للأسف الشديد؟
سؤال آخر، هل سيعترف رجالات السلطة في رام الله بخطيئتهم، وافلاس نهجهم التفاوضي، ويقررون الانسحاب من الحلبة السياسية وحل السلطة، اسوة بكل الشرفاء في التاريخ السياسي العالمي الذين مروا بظروف مماثلة، مثل شارل ديغول ووينستون تشرتشل، واحمد الشقيري، والحاج امين الحسيني وغيرهم، ام انهم سيكابرون ويصرون على الاستمرار في مناصبهم، وكأن شيئا لم يحدث مطلقا، بحجة مواصلة 'نضالاتهم'، وكأن الشعب الفلسطيني لم ولن ينجب غيرهم؟
لا نعتقد ان احدا، سواء في الوسط الرسمي العربي او الفلسطيني، يملك الشجاعة، ويجري مراجعة حقيقية ونقدا ذاتيا يعلن بعده اعترافه بخطأ خياراته، وينسحب بالتالي من الحياة السياسية، لان هذه من اخلاق الفرسان، ولا نعتقد ان هذه الاخلاق موجودة عند معظم مسؤولينا وقياداتنا، وهذا ما يفسر حال الهوان التي نعيشها حاليا على المستويات والاصعدة كافة.

اي حكومة اسرائيلية تخرج من رحم الانتخابات الاخيرة، ستضم واحدا من اثنين او كليهما: بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود، او افيغدور ليبرمان زعيم حزب 'اسرائيل بيتنا'، والاثنان يتنافسان على العداء للعرب ورفض العملية السلمية، واي انسحاب من الاراضي الفلسطينية المحتلة، فكيف سيتعامل العرب، المعتدلون والممانعون، مع هذا 'التسونامي' الاسرائيلي الزاحف نحوهم؟
العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الأب الروحي لمبادرة السلام العربية، التي رجمها الاسرائيليون حتى الموت باهاناتهم، واحتقارهم، وسخريتهم، قال اثناء كلمته امام قمة الكويت الاقتصادية ان هذه المبادرة لن تظل موضوعة على الطاولة الى الابد، فهل نراه ينفذ تهديداته هذه فورا ويسحبها ويقلب الطاولة بقيادة تحرك عربي نحو المصالحة، والبحث عن الخيارات الاخرى بعد سبع سنوات عجاف من التيه في صحراء الوهم بحثا عن سراب السلام؟
ليس من طبعنا التفاؤل لأننا فقدنا كل امل في هذا النظام الرسمي العربي، ولكن لعلنا نرى او نسمع عكس ذلك في الايام المقبلة، وان كنا نشك.


الشيماء محمد


يظهر المسار الظاهري الذي يتخذه تطور القضية الفلسطينية، ربطا بالمشهد السياسي العام والراهن بما هو إفراز لموازين القوى، تدهورا وتراجعا كبيرا في مكانة القضية الفلسطينية، ويهدد بضياع عدد من الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وينحى باتجاه فرض حلول لقضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ضمن أكبر مقاربة مع الرؤية الإسرائيلية المدعومة أميركيا للحل تكرس هيمنة إسرائيل التوسعية.

لكن بقليل من التمحيص سنكتشف أن مجموعة الحقائق السابقة منقوصة وأحادية الجانب، لأنها تنظر إلى موازين القوى ومفاعيلها بشكل جامد، غير آخذة بعين الاعتبار مجموعة عوامل تؤثر وتتأثر بها في آن، من تناقضات الحالة الداخلية الإسرائيلية، على وجه الخصوص، وإمكانية تحول العديد من صراعاتها إلى صراعات رئيسية، بعد أن نظر إليها لسنوات طويلة ماضية كصراعات ثانوية، في مواجهة الصراع الرئيسي مع الفلسطينيين والعرب.

فعلى سبيل المثال، يثبت اليوم أن مسألة معضلة الاندماج في "المجتمع الإسرائيلي" ليست تعبيرا عن تعددية ثقافية، يمكن تجاوزها مع مرور الزمن كما قدمتها السردية التاريخية الصهيونية، بل هي أحد تعبيرات محاولة جسر الهوة بين مكونات تاريخ ممزق وملفق بشكل إرادي قسري، ومحاولة متوهمة للقفز عن الانقسام الذي يولده التعدد القومي والعرقي.

ليس فقط في التقسيم الإسرائيلي الرسمي الذي يقسم "المجتمع الإسرائيلي" إلى قوميتين عربية ويهودية، بل داخل مجتمع اليهود المهجرين، وما بدأ يفرزه من تحولات عميقة أدت في السياق إلى تغيرات جوهرية في بنية النخب السياسية والمجتمعية الإسرائيلية، تم من خلالها تحلل وبدء إزاحة النخب الإشكنازية، التي قادت على مدار عقود طويلة الحركة الصهيونية و"مؤسسات الدولة والمجتمع الإسرائيلي" لصالح نخب جديدة، السفرديم على حساب الإشكناز.

وخطورة هذا التبدل الجوهري أنه لا يجري على قاعدة اندماج المكونات القومية لمجتمع المهجرين اليهود، فهو إذ يحطم منظومة العرق الإشكنازي اليهودي الأبيض يفتح في الوقت ذاته على صراع الهويات القومية بين القوميات المكونة "للمجتمع الإسرائيلي": "العربية الفلسطينية، واليهودية الروسية، واليهودية العربية، واليهودية الأفريقية، واليهودية الفارسية.. إلخ"، والذي أدى التنكر لها إلى غبن ونفي تاريخي منذ إنشاء "دولة إسرائيل" في العام 1948. وهذا يثبت افتضاح أكذوبة التقسيم العرقي الصارم الذي حاولت ترويجه السردية التاريخية الصهيونية ما بين يهود و"أغيار".

وهذا التحول الجاري في مجرى الصراع إذا ما أخذ مداه سيساهم في انهيار المنظومة الكولونيالية التي بني على أساسها "مجتمع ودولة إسرائيل"، والتي حولت "إسرائيل" على حد وصف الدكتورة إيله شوحاط إلى "أمة داخل أمة"، في إشارة إلى أوضاع يهود البلاد العربية الذين هجروا إلى "إسرائيل"، وإذا ما سحب ذلك على باقي القوميات فإننا سنصبح أمام خليط من مجموعة أمم وقوميات.

وهذا سيعيدنا إلى إحدى المقولات الأساسية بأن نجاح الحركة الصهيونية في احتلال فلسطين لم يحل الهدف الرئيسي الذي سعت إليه الحركة الصهيونية بخلق "أمة يهودية"، لأن "المجتمع الإسرائيلي" ما زال يفتقد إلى مقومات الأمة من حيث التقاليد التاريخية المشتركة والوحدة المستقرة والثقافة الأصيلة المشتركة والتكوين السيكولوجي المشترك.

ما سبق جعل المؤرخ الإسرائيلي بني مورس يقول: "إن المشروع الصهيوني كله مشروع أخروي، إنه يقوم في محيط معاد، وبمعنى ما فإن وجوده لم يكن منطقيا أن ينجح في العام 1948، وليس من المنطقي أن ينجح الآن، ومع ذلك وصل إلى ما وصل إليه، وبمعنى آخر فإن في الأمر معجزة.. قد يكون الخراب نهاية هذه العملية وهذا ما يخيفني".

ولقد أدرك المنظرون الصهاينة باكرا مأزق مشروعهم الاستعماري وعدم واقعية نجاح هذا المشروع على المدى الطويل، وكان قادة الحركة الاستيطانية الصهيونية على استعداد للقبول بحلول أدنى بكثير مما حصلوا عليها في العام 1948، إلا أن القوى الاستعمارية دفعت قادة الحركة الصهيونية لمزيد من التصلب والتطرف لتحقيق الأطماع الاستعمارية الأوروبية الغربية في البلدان العربية.

ففي عشرينيات القرن الماضي اقترح زيئيف جابوتنسكي إقامة مملكة فدرالية يهودية عربية يومها كان اليهود يمثلون أقلية ضئيلة في فلسطين. وكرر من بعده دافيد بن غوريون الدعوة لدولة ثنائية القومية في الثلاثينيات من القرن الماضي، لكنه عاد عن مقترحه بعد ذلك في وقت تصاعدت الهجرة اليهودية محققة أرقاما قياسية بدعم أميركي عبر الضغط على حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين.

وبدأت الدعوات لهذه الفكرة تخبو في أوساط الحركة الصهيونية، رغم أن العديدين من حركة هشومير هتسعير دعوا في الأربعينيات من القرن الماضي إلى دولة كانتونات على النمط السويسري، لتغيب بعد ذلك الفكرة كليا عن حلبات الحوار، إلا أن جابوتنسكي تذكرها وعاد ليطرحها وهو على فراش الموت، ولم يأبه أحد بذلك، وانتصرت في النهاية أفكار بن غوريون الرافضة لمبدأ الدولة الثنائية القومية كونها تتعارض مع المشروع الصهيوني.

وهذا ما يحدده بن غوريون بدقة في مذكراته بالقول: "عندما وقفت مسألة وحدة البلاد دون دولة يهودية، أو دولة يهودية دون وحدة البلاد، اخترنا الدولة اليهودية بدون وحدة البلاد"، وهو لا يترك خياره هذا مبهما بل يعلله بوضوح شديد إذ يقول: "لنفترض أننا تمكنا بالطريق العسكري أن نحتل كل شرقي وغربي دولة إسرائيل وأنا واثق من ذلك، فماذا سيحصل عندها؟ نقيم دولة واحدة، غير أن الدولة ترغب أن تكون ديمقراطية، وستكون هناك انتخابات عامة، ونحن سنكون أقلية". لكن من جاؤوا إلى كرسي رئاسة وزراء دولة الاحتلال من بعده كان لهم رأي آخر، لذلك شقوا لأنفسهم دربا آخر بعيدا عن نصائح بن غوريون.

ومثل عدوان الخامس من يونيو/حزيران 1967 حدا فاصلا في تاريخ الحركة الصهيونية وأطماعها التوسعية، وإن بدا الأمر ظاهريا بأن النصر المؤزر الذي تمثل في احتلال كامل أراضي فلسطين التاريخية مضافا إليها أراضي عربية أخرى، مثل ذروة نجاح المشروع الصهيوني في المنطقة بإجماع كل تيارات الحركة الصهيونية، إلا أن هذا النصر سيصبح لاحقا مصدر خوف وقلق شديدين، وهذا ما يقوله ميرون بنفنستي: "ليس بوسع الصهيونية الآن الاستمرار في تحقيق حلمها، فهي ضحية انتصارها، ضحية التاريخ لفرصة ضائعة".

لقد قدمت الحركة الصهيونية نفسها "كحركة تحرر وطني للشعب اليهودي" ورسمت على الدوام أكذوبة تظهر اليهود كأقلية ضعيفة مهددة بالإبادة من عالم عربي متوحش، ودأبت لاحقا على تقديم نفسها كواحة للديمقراطية في وسط بحر من الدكتاتورية.

إلا أن هذه الصورة سرعان ما تكشفت، وظهرت الصهيونية ودولة الاحتلال على حقيقتها لدرجة بات من غير الممكن أن يسكت عن ذلك أبرز دعاتها، ومنهم إبراهام بورغ الذي يعترف بأن "ألفي سنة من الصراع انتهت إلى دولة من المستوطنات تديرها عصبة غير أخلاقية من الفاسدين".

ويضيف بورغ: "لا بد أن تنهار بنية قائمة على القسوة الإنسانية، راقبوا تلك اللحظة جيدا: إن بنية الصهيونية السوبر ستار تنهار مثل قاعات الأفراح الرخيصة في القدس".

وما كان لأبراهام بورغ أن يصل إلى هذه النتيجة مثل الكثيرين لولا المقاومة الباسلة التي نهض بها الفلسطينيون على مدار سنوات الاحتلال الطويلة، رغم أن موازين القوى بقيت مختلة بشكل كامل لصالح إسرائيل، مما أفقد قوة البطش الإسرائيلية جدواها في تحويل الانتصارات العسكرية إلى مكاسب سياسية.
وهذا ما يوضحه حاييم هنغنبي بالقول: "كنا متسامحين أكثر من اللازم مع الحركة الصهيونية، وأن اليهود جاؤوا إلى هنا ووجدوا أرضا فارغة يقيم فيها شعب آخر، الأمر الذي أوقع اليهود في نمط استخدام القوة بغير حساب. وبدلا من أن يدفعهم الصراع لموقف أخلاقي ونحو الحكمة، خلق لديهم إدمانا في استخدام القوة، ولكن هذه القوة استنفدت ذاتها, لقد وصلت هذه القوة إلى حدود قدرتها. ولذلك إذا بقيت إسرائيل دولة كولونيالية بطابعها فإنها لن تصمد، ففي نهاية المطاف ستكون المنطقة أقوى منها، والمظالم القائمة بالأساس ستكون أقوى منها، وكل من يأمل العيش على حد السيف سيجد نهايته بالسيف".

وإذ أبدى الكثيرون ممن يسمون "دعاة السلام في إسرائيل" معارضتهم للسياسات الليكودية المتطرفة كونها تضر المشروع الصهيوني، بل وتدمره، فهم لا يرون مخرجا من المأزق الذي دخلته إسرائيل الاستعمارية التوسعية الاستيطانية، على حد وصف يهودا ليطاني الذي يقول: "محاولات الدحر والتجاهل ستتواصل هي الأخرى بلا جدوى، لم نتخلص منهم وهم لم يتخلصوا منا".

لكن اليهودي الصهيوني دان كيرتسر السفير الأميركي السابق في "إسرائيل" يرى مخرجا يقلل من خسائر الصهاينة "هناك مسألتان يجب أن تثيرا قلقنا جميعا - أميركيين وإسرائيليين– الواقع الديمغرافي على الأرض، وإمكانية تحول الصراع السياسي الإقليمي هنا إلى صراع أيديولوجي مصيري لا يوجد فيه مكان إلا للمنتصر، هناك علاقة بين هذين التخوفين، وكلما بكرنا في حل الدولتين المعقول سيساعد ذلك في حل المعضلة الديمغرافية وتقليص التهديد الكامن في تحول الصراع إلى مواجهة وجودية بين الشعبين".

والنصيحة التي يقدمها كيرستر وأمثاله تجاوز الفلسطينيين في الحل والعودة إلى خيار كنفدرالية أردنية فلسطينية لخلق منظومة إقليمة تصادر وإلى الأبد طموحات الشعب الفلسطيني في دولة وهوية وطنية مستقلة.

وبشكل عام هناك شبه إجماع لدى جميع تيارات الحركة الصهيونية على أن "إسرائيل" باتت تعيش أزمة عميقة، استمرارها يعني المضي نحو الهلاك الأكيد، وللخروج من هذا المأزق هناك ثلاثة اتجاهات رئيسية في التفكير الإستراتيجي الصهيوني:

الاتجاه الأول يدعو إلى الاستمرار في سياسة "الانفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد" في ظل تعذر تسوية سياسية مع الفلسطينيين مقبولة إسرائيليا بشروطها المعروفة، وفي مقدمتها ضم أكبر مساحات ممكنة من الأرض الفلسطينية المحتلة في عدوان الخامس من يونيو/حزيران 1967. وهنا تظهر بعض الخلافات داخل هذا التيار حول مساحة الأراضي التي يجب الانسحاب منها، لكن مبدأ عدم الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة محل إجماع بينهم.

الاتجاه الثاني يدعو إلى أن يكون الانسحاب على قاعدة اتفاق حل وسط مع الفلسطينيين، وبهذا فهم يرفضون الانفصال الأحادي، رغم اتفاقهم مع التيار الأول بأن أي حل وسط مقبول إسرائيليا لن يتضمن الانسحاب من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكنهم في ذات الوقت يرون في الجمود السياسي خطرا كبيرا، لذلك يدعون إلى إعادة الروح للعملية التفاوضية.

الاتجاه الثالث يقول بعدم إمكانية الانفصال عن الفلسطينيين مرة أخرى، ويقف جناحا هذا الاتجاه على طرفي نقيض، فغلاة اليمين يرون في إخلاء المستوطنات خيانة عظمى وتقويضا للمشروع الصهيوني، وبالتالي يجب الذهاب إلى النهاية في استخدام القوة وطرد العرب وترحيلهم قسرا من ديارهم.

أما الجناح الثاني من دعاة عدم إمكانية الانفصال فيرون أن واقع الاحتلال أوجد وضعا يصعب العودة عنه، مما جعل شر ثنائية القومية قدرا لا مفر منه. مع ملاحظة أن التيارات كلها تجمع على ضرورة شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.

ويرى البعض في النقاش الدائر حول الخطر الديمغرافي الفلسطيني مستقبلا أنه لا يعدو كونه فزاعة تتم من خلالها إعادة توحيد الكيان الصهيوني ضد عدو مفترض، وعودة للعزف على نغمة الأقلية المضطهدة في تبرير لتصرفات "إسرائيل" وأفعالها الدموية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.

ويضخم البعض هذه القضية إلى درجة أن يسرائيل هرئيل يعتبرها "أخطر من القنبلة النووية الإيرانية"، في حين يرى البعض الآخر أن النقاش يمتلك مشروعيته من رؤية إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار أن المستقبل لن يكون لصالح "إسرائيل" إذا ما استمرت على طبيعتها العدوانية.

ومن دعاة هذا التيار الرئيس الأسبق للكنيست الإسرائيلي أبراهام بورغ الذي يعبر عن ذلك بالقول: "لا يمكن استمرار دولة تفتقر للعدالة، لقد بدأ الكثير من الإسرائيليين في استيعاب ذلك وهم يسألون أبناءهم أين تتوقعون الحياة بعد خمسة وعشرين عاما؟".

وبغض النظر عن تباعد التقديرات وتضاربها بشأن تقدير مدى تأثير هذا الهاجس على إسرائيل، إلا أنه يبقى أحد مظاهر الأزمة العميقة التي باتت تعيشها، بما هي أزمة مستقبل للمشروع الصهيوني التوسعي الاستعماري وأزمة هوية لإسرائيل، التي نحت في السنوات العشرين الأخيرة لاستجلاب المزيد من المهجرين لإقامة المزيد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كجزء من معركة التوازن الديمغرافي المستقبلي مع الفلسطينيين، وتأمين العنصر البشري لآلتها العسكرية.

حيث يمثل اليوم المهجرون من دول الاتحاد السوفياتي السابق ودول أوروبا الشرقية واليهود من أصول شرقية أكثر من 75% من قوام الجيش الإسرائيلي، وهذا بدوره يفرز لإسرائيل إشكالية لا تقل حسب منظِّري الصهيونية خطرا عن اختلال الميزان الديمغرافي مستقبلا لصالح الفلسطينيين، لأن ذلك يفتح على صراع هويات قومية متناقضة تصيب مقتلا المشروع الاستيطاني الصهيوني.
ــــــــــ

عامر راشد

كاتب فلسطيني


قررت محكمة شمال القاهرة برئاسة المستشار إيهاب نافع تأجيل نظر قضية وقف وتجميد اتفاقية كامب ديفيد إلى 30 مارس القادم وإعطاء مهلة 3 أسابيع لتقديم مذكرات الدفوع. وطالب المحامي محمد العمدة عضو مجلس الشعب وصاحب الدعوى في مرافعته في الشقِّ المستعجل بوقف العمل بالاتفاقية، وتجميد العمل بها لحين الفصل في الدعوى.

ودفع العمدة بعدم دستورية معاهدة السلام الموقَّعة بين مصر والكيان الصهيوني لتعارضها مع مبادئ الدستور في مادته الـ58؛ التي تقضي بالدفاع عن كافة أراضي الدولة، مشيرًا إلى أن الاتفاقية نتج منها انتقاص السيادة المصرية على سيناء منزوعة السلاح في ثلثيها، فضلاً عن تحويل ممرَّي تيران وخليج العقبة المصريَّين إلى ممرَّين دوليَّين ليس لمصر السيادة المطلقة عليهما، كما أنها أخرجت مصر من الصراع العربي مع الكيان الصهيوني؛ حيث تنص على أنها تُقدَّم على أي اتفاقية سابقة أو لاحقة لتوقيعها بين الطرفين، فجعلت علاقة مصر بالعدو أقوى من علاقة مصر ببقية العرب والمسلمين، وبالتالي تسبَّبت في اعتراف مصر بالكيان الصهيوني، رغم عدم اعتراف العرب به إلا على أنه كيان غاصب، وهو ما يخالف المادة الأولى من الدستور التي تقضي بأن مصر جزءٌ من النسيج العربي، وتعمل على حريته واستقلاله، كما تتعارض الاتفاقية مع المادة الثانية للدستور التي تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأن هذه الشريعة تحتِّم على المسلم نصرة أخيه المسلم في أي مكان.






المدونة
المجموعة البريدية

;;