إبحث فى المدونة والروابط التابعة
بعلزبول .. ملك العالم السفلى

نتن ياهووووووووووووووووووووووووو
الحاخام يسرائيل: العرب أكرمونا ومنحونا المأوى..فهل هكذا نجازيهم؟
0 التعليقات مرسلة بواسطة أسماء - فلسطين للأبد في 10:09 مالعرب أكرمونا ومنحونا المأوى.. فهل هكذا نجازيهم!
أوباما وقع فى المصيدة الصهيونية وتم برمجته
حوار: ندى القصاص
الحاخام دوفيد ينتمى إلى جماعة ناتورى كارتا، وهم مجموعة من اليهود المتدينين تتعدد انتمائتهم المذهبية والعرقية، إلا ان معاداتهم للصهيونية جمعتهم، وتعنى بالآرمية القديمة "حراس المدينة".
فى حوارى معه لاحظت أمرين، بين كل جملتين - وبصرف النظر على الموضوع - يقفز على السطح مسألة الصهيونية، لتضح جليا حجم ما تشكله لهم من عقدة. الملاحظة الثانية، هى حجم التشابه بين المعتقد الديني اليهودي والإسلامى، فحين أردت مصافحته اعتذر فهو لا يصافح النساء!
وحين طلبت التصوير معه، طلب من أحد العاملين الوقوف بيننا! دوفيد وصل إلى القاهرة للمشاركة فى قافلة تحيا فلسطين مع آخرين من جماعته، كان هذا الحوار معه:
* كنت أقرأ عنكم وأتابعكم وتصلنى منكم رسائل الكترونية بانتظام، حتى عامين ماضيين، ثم فجأة توقف كل شئ.. فما الذى حدث؟
- حدث حريق ضخم أتى على معهد التاريخ ومقرنا تماما، بكل ما يحملانه من وثائق وكتب وملفات الكترونية وغيرها، البوليس قال لنا ان اشتعال الحريق سببه سقوط شمعة او شئ من هذا القبيل! من وقتها تباطئ نشاطنا بعض الشئ، خاصة على النت، فاليهود المتدينيين لا يقبلون على استخدام النت لأسباب أخلاقية، واجتهد الحاخامات مؤخرا لوضع ضوابط، فلا يسمح للأطفال مثلا باستخدامها، ولا نستخدمها فى منازلنا. وكذلك الفيديو والتصوير عموما، فقد كنا نقوم بتظاهرات من مائة عام، لكن نادرا ما نحتفظ بالصور، فالتصوير محرم عندنا ضمن قواعد "الكابالا"..وهى الاسرار العميقة لمعرفة الله والتقرب منه. لكن لمواجهة الصهيونية، اضطررنا لاستخدام كافة هذه الوسائل.
على أية حال ما أود التأكيد عليه هو ان اليهود المتدينيين تصدوا للصهيونية، قبل العرب والمسلمين. ومنذ عشرينات القرن الماضى، بمجرد ظهورهم، كان من أهم المتصدين لهم د.داهان وهو يهودي متدينا ضد الصهيونية، ونحن كتبنا عنه فى موقعنا، كان دبلوماسيا فى الدنمرك أوالنرويج، وقتل 1924، وقد تلقى تهديدات بالقتل وقتلوه بدم بارد فعليا.
* حدثته عن د.عبد الوهاب المسيرى وموسوعته عن اليهود واليهودية والحركة الصهيونية، وأبدى اهتماما خاصا..ثم استطرد قائلا:
- كل من ساهم فى مساندة الصهيونية فعلها لخدمة أغراضه هو، فالحكومات التى سنت لهم التشريعات فعلت هذا بدافع مصالحها، كان من الممكن ببساطة العمل على دمج اليهود فى مجتمعاتهم لحل اشكاليات اليهود. منذ الحرب العالمية الاولى، عانى يهود أوربا تحديد كثيرا، وقفز كثيرين إلى العربة مستغلا الموقف، وكان منهم الصهاينة، وبدأت تنتشر فكرة اعادة صياغة اليهودية كديانة ليتنسى لليهود الدفاع عن أنفسهم. لكننا نؤمن انه منذ حدث تدمير المعبد وشتات اليهود –منذ أكثر من ألفى عام- كعقاب لليهود، مع وعد من الله باحداث تغيرات جوهرية اذا ما أحسنا وأصلحنا حالنا عن طريق الـ"كابالا"، وهذا التغيير متمثل فى ان تصحو البشرية يوما على عالم كل من فيه يؤمن بإله واحد، تجمعهم حالة من التناغم ويعم عالم جديد. ونحن نؤمن ونقبل بحكم الله فينا، سواء كان عقابا او جزاءا، ليس فى ديننا ما يدعونا او يكلفنا باعادة بناء الهيكل، والعودة إلى أرض الميعاد بالنسبة الينا هى العودة إلى الله، وان يتقبلنا الله مرة ثانية. وجمع شتاتنا يعنى لنا، جمع شمل البشرية على الايمان برب واحد. ليس لدينا وهم اعادة بناء الهيكل للمرة الثالثة. اذن حينما أدعى ان الله وعدنا باعطائنا ارض الميعاد، هذا تعبير عن خلل كبير.
* كثير مما حكيته عن معتقدات يهودية هى لدينا أيضا فى القرآن؟
- نعم، أعرف.
* الآن يطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي وحتى الرئيس أوباما بالاعتراف بدولة إسرائيل كدولة يهودية.. ما الذى يعنيه هذا بالنسبة إليكم؟
- إنها تعنى إقصاء العرب والمسلمين منها، وهذا بكامله خطأ ومتناقض تماما مع معتقداتنا اليهودية، أى شخص يدرس الديانة اليهودية يعرف اننا منهيون تماما عن إقامة دولة لنا، نحن مأمورين بالانتماء كمواطنين فى أى دولة نتواجد بها. حتى لو الفلسطينيين أتوا إلينا ومنحونا أرضهم، نحن ممنوعون من امتلاك نصف بوصة، انه عقاب الله ونحن راضون به، والعمل ضده مهلك، وهم لا يكتفون بالعمل ضد إرادة الله وقدره وأمره بل أيضا يعملون الان على الاساءة لشعب آخر.
وأوباما بدعمه لحل الدولتين، يقع فى مصيدة الصهاينة، انه إعطاء للص المزيد. انه أسوء سرطان للشعب اليهودى، اننا نعتبره أكبر تدمير لليهودية، اليهودية تعنى العيش فى خدم الله، انهم يحولون هذا إلى معنى مناقض تماما، ولا أقصد هنا القتل، لكن عن معنى أعمق انه قتل للارواح ولجوهر الدين بالاساس، كما انه يسبب فى تنامى الاتجاه المعادى للسامية فى رجاء العالم، بات العالم يكره اليهود واليهودية بسبب الممارسات الصهيونية، انه أسوء كارثة تراجيدية نواجهها، ديننا يتحول نحن وأجيالنا القادمة، ووفق ديننا ان تجعل شخص خاطئ أسوء من قتله، فهؤلاء سيمكثون فى نار جهنم.
* كيف تفسر نفوذ الايباك؟
- المجتمع اليهودي المتدين ينوء عن العمل السياسى والاشتغال بالانشطة السياسية، نحن رجال الكتاب منشغلون نحن بالدراسة والعلم وبالتقرب إلى الله، اما عملاء المجموعات الصهيونية وهى كثيرة، فمنشغلون بالدولة وأجهزتها وسياستها. حين تأسست دولة إسرائيل رفضها 59% من اليهود! ولدينا وثائق بهذا. لقد كان الصهاينة فى فلسطين يشكلون فقط 5% من اليهود، لكنهم كانوا نشطين جدا.
* الان كم نسبة الصهاينة مقارنة باليهود المتدينيين على مستوى العالم؟
- لله الحمد لدينا مجتمع متدين قوى جدا، والامر لا يتعلق بالارقام وكم البشر. هناك مجموعة متدينة وأخرى صهيونية متشددة، ومجموعة واسعة فى المنتصف، بالتأكيد يحاولون التأثير عليها وتحويلهم إلى صهاينة، وأكثر ما يؤثر فيهم دعوى ان العرب يريدون قتل كل يهودي، وعنصر الخوف مؤثر جدا. وبعضهم يدعم الصهاينة برغم كونهم ليسوا منهم بدعوى انهم يحموا اليهود من العرب. فى منهاتن وصل عددهم الان إلى 60 ألف، فكل أسرة متوسط عدد أبنائها من 6-7، لاننا نحرم تحديد النسل، ولله الحمد العدد يتزايد يوما بعد يوم، فمجتمعتنا المتدينة تنمو باضطراد، وكذلك هم فى فلسطين.
* علمت أنكم فى فلسطين ترفضوا الهوية والجنسية الاسرائيلية، فما السبب؟
- تماما، بالضبط.. نعم، لكنهم غير مؤثرين، فهم لا يدفعوا الضرائب، ولا يستخدموا التأمين الصحى، ولا يؤدوا الخدمة العسكرية، ولا يحضرون احتفالات اقامة الدولة، وليس لهم أى نشاط، انهم ضد الصهيونية. ويحاولوا إغرائهم بقولهم: "عليكم وضع توقيع واحد، وستتلقون كل الخدمات والرعاية لكم ولابنائكم"، وبالطبع المقصود هنا توقيع طلب الجنسية، لكنهم يرفضون. اذا انتهت دولة (اسرائيل) هؤلاء سيحتفلون بنهايتها.
* بدأ يظهر فى الغرب خاصة فى أوروبا وأمريكا قوانين تدين نقد إسرائيل بدعوى إنها معادية للسامية.. فما رأيك فى هذا؟
- لن نقيم لهذا وزنا، ولن نصمت وسنظل نتحدث، بعضنا يتعرض للضرب والاعتقال والبعض يفر هربا، فنحن لن نعترف بشرعية مثل هذه القوانين.
* كيف ترى الدعم الأمريكي لإسرائيل؟
- بعض الناس بسبب تعاطفهم مع المعاناة اليهودية، يقعون فريسة مصيدة الصهيونية، مثل أوباما، قد عشنا فى كل بلاد العالم، خاصة فى بلاد العرب والمسلمين، لقد كنا ضيوفا على العرب والمسلمين، وكنا أصدقاء، لقد استقبلونا حين اضطهدونا فى أوربا.. ونرجو من الله مساعدتنا لاظهار امتناننا لهم، لكن للاسف الجميع يخلط بين اليهود والصهاينة. الدولة اليهودية أسوء ما واجه اليهود. ومطلبنا الان هو تفكيك الدولة اليهودية، ونتمنى ان يتم ذلك سلميا، واعادتها بالكامل للفلسطينيين، وعلى الفلسطينيين أنفسهم ان يقرروا عما ستكون عليه دولتهم، دينية كانت او مدنية ديمقراطية، أيا ما كان قرارهم ليس لاحد التدخل فيه. وان كنت شخصيا لا أفضل الدولة الديمقراطية، لانها غير معنية بالاخلاقيات. ولو سمحوا لنا بالعيش بينهم، سنكون مواطنين عاديين فى دولة فلسطينية، لابد لنا من الحصول على موافقتهم وإذنهم، وفقا لمعتقداتنا اليهودية.
أمامنا نموذج أستمر لـ60 عام، ماذا أنتج؟! أى نوع من الأمان حقق؟! انه أكثر الاماكن خطرا على اليهود فى العالم أجمع.
لنفترض اننا جلسنا إلى أوباما وقولنا له: يمكننا اقامة نظام يعيش فيه الجميع فى سلام، عرب ومسلمين ومسيحيين ويهود، وهو بعدم اقامة دولة يهودية. هل يمكن ان يجد اشكالية او اعتراض على هذا؟ انا متأكد انه سيجد، لانه تم برمجته، الحل الوحيد الذى يراه هو حل الدولتين، من أين أتى بهذا؟! قبل مائة عام ماضية، ربما لم يكن هناك أمم متحدة، كان اليهود يعيشون فى كافة الدول الاسلامية، ثم جاءت الصهيونية كحركة سياسية تحدثت باسم اليهودية واقامت دولة يهودية، وفجأة أنقلب الحال وأصبحت معاناتنا متواصلة...على الجميع التفكير، ما الذى سبب تلك المعاناة، أهى مشكلة دينية؟ لا. انه جانب واحد عليه تحمل كل اللوم، وهو الحركة الصهيونية. عند ازالة هذه الحركة السياسية، سيتمكن العرب واليهود من العيش معا ثانية، وتنتهى المشكلة.
* لقد استخدمت تعبير معاداة السامية أكثر من مرة... فما الذى تعنيه بهذا المصطلح؟
- الله خلق الكون بكل التنويعات البشرية فيه، ومن يعادى السامية يتعرض لعقاب الله، ليس على البشر محاسبته. وتقنيا السامية تعنى العرب أيضا. لكن انتشرت الكلمة بالاشارة لليهود فقط، الان الصهيونية تسنخدمها لتوصيف معاداة الناس لها، بينما هى فى حقيقة الامر تعنى الاضطهاد العنصرى لكافة البشر. وعلى سبيل المثال، لقد ثبت تاريخيا تورط الصهيونية مع النازية زمن المحرقة.
* ماذا عن موقفكم من حماس وحصار غزة؟
- الآن يتخذون من حماس اشكالية، فمتى ظهرت حماس؟ 10-20 عام، هذه اشكالية استمرت منذ 60 عام، حماس لم تكن ابدا المشكلة. كم من اليهود ماتوا خلال تلك الفترة؟ فهل ماتوا بسبب حماس؟ حماس لم تخلق المشكلة ولم تكن السبب فيها..أين كانت حماس من عام 1909 إلى 1948؟ أين كانت فى الـ1956 و1967 و1973 و1982، انما طوال هذه الفترة كانت هناك الحركة الصهيونية هى سبب الازمة وهى الاشكالية الكبرى، للجميع بما فيهم اليهود. لماذا لا يستطيع الناس ادراك ان هذه هى المشكلة. اذا رأوا المشكلة سيرون الحل.
إذا نظروا إلى جذور المشكلة، ومن سببها منذ البداية، لن يحل المسألة ان يرموا عظمة للفلسطينيين، سواء بمنحهم غزة او غيرها، لابد من إعادة كامل الارض للفلسطينيين وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار، والاعتذار لهم. أمريكا تمنح (اسرائيل) بلايين الدولارات كل عام، لو خصصوا بليونا واحدا لتعويض الفلسطينيين. وأثق تماما ان قادة حماس سيتوقفون تماما عن القتل. ما الذى سيكلفه الامر، لو اسقط الصهاينة احساسهم بالتميز، وبدلا من تسميتها الدولة اليهودية، يسمونها الارض الحرة، أهذا غاية فى اللامنطقية؟!
منذ أعوام ماضية، كان الحديث عن حل الدولتين يعد خيانة عظمى لليهود، لا يمكن تحقيق السلام بالعمل ضد ارادة الله. لقد بدأ الناس تفيق إلى انه ليس هناك حل آخر سوى ان يعيش الجميع معا فى سلام. بعد عدة سنوات الاغلبية فى فلسطين ستكون للعرب، هذه الدولة مآلها إلى الزوال لا محالة.
التسميات: نهاية إسرائيل
إفلاس الأيديولوجية الصهيونية ومشروعها الاستيطاني
0 التعليقات مرسلة بواسطة أسماء - فلسطين للأبد في 2:04 صالشيماء محمد
يظهر المسار الظاهري الذي يتخذه تطور القضية الفلسطينية، ربطا بالمشهد السياسي العام والراهن بما هو إفراز لموازين القوى، تدهورا وتراجعا كبيرا في مكانة القضية الفلسطينية، ويهدد بضياع عدد من الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وينحى باتجاه فرض حلول لقضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ضمن أكبر مقاربة مع الرؤية الإسرائيلية المدعومة أميركيا للحل تكرس هيمنة إسرائيل التوسعية.
لكن بقليل من التمحيص سنكتشف أن مجموعة الحقائق السابقة منقوصة وأحادية الجانب، لأنها تنظر إلى موازين القوى ومفاعيلها بشكل جامد، غير آخذة بعين الاعتبار مجموعة عوامل تؤثر وتتأثر بها في آن، من تناقضات الحالة الداخلية الإسرائيلية، على وجه الخصوص، وإمكانية تحول العديد من صراعاتها إلى صراعات رئيسية، بعد أن نظر إليها لسنوات طويلة ماضية كصراعات ثانوية، في مواجهة الصراع الرئيسي مع الفلسطينيين والعرب.
فعلى سبيل المثال، يثبت اليوم أن مسألة معضلة الاندماج في "المجتمع الإسرائيلي" ليست تعبيرا عن تعددية ثقافية، يمكن تجاوزها مع مرور الزمن كما قدمتها السردية التاريخية الصهيونية، بل هي أحد تعبيرات محاولة جسر الهوة بين مكونات تاريخ ممزق وملفق بشكل إرادي قسري، ومحاولة متوهمة للقفز عن الانقسام الذي يولده التعدد القومي والعرقي.ليس فقط في التقسيم الإسرائيلي الرسمي الذي يقسم "المجتمع الإسرائيلي" إلى قوميتين عربية ويهودية، بل داخل مجتمع اليهود المهجرين، وما بدأ يفرزه من تحولات عميقة أدت في السياق إلى تغيرات جوهرية في بنية النخب السياسية والمجتمعية الإسرائيلية، تم من خلالها تحلل وبدء إزاحة النخب الإشكنازية، التي قادت على مدار عقود طويلة الحركة الصهيونية و"مؤسسات الدولة والمجتمع الإسرائيلي" لصالح نخب جديدة، السفرديم على حساب الإشكناز.
وخطورة هذا التبدل الجوهري أنه لا يجري على قاعدة اندماج المكونات القومية لمجتمع المهجرين اليهود، فهو إذ يحطم منظومة العرق الإشكنازي اليهودي الأبيض يفتح في الوقت ذاته على صراع الهويات القومية بين القوميات المكونة "للمجتمع الإسرائيلي": "العربية الفلسطينية، واليهودية الروسية، واليهودية العربية، واليهودية الأفريقية، واليهودية الفارسية.. إلخ"، والذي أدى التنكر لها إلى غبن ونفي تاريخي منذ إنشاء "دولة إسرائيل" في العام 1948. وهذا يثبت افتضاح أكذوبة التقسيم العرقي الصارم الذي حاولت ترويجه السردية التاريخية الصهيونية ما بين يهود و"أغيار".
وهذا التحول الجاري في مجرى الصراع إذا ما أخذ مداه سيساهم في انهيار المنظومة الكولونيالية التي بني على أساسها "مجتمع ودولة إسرائيل"، والتي حولت "إسرائيل" على حد وصف الدكتورة إيله شوحاط إلى "أمة داخل أمة"، في إشارة إلى أوضاع يهود البلاد العربية الذين هجروا إلى "إسرائيل"، وإذا ما سحب ذلك على باقي القوميات فإننا سنصبح أمام خليط من مجموعة أمم وقوميات.
وهذا سيعيدنا إلى إحدى المقولات الأساسية بأن نجاح الحركة الصهيونية في احتلال فلسطين لم يحل الهدف الرئيسي الذي سعت إليه الحركة الصهيونية بخلق "أمة يهودية"، لأن "المجتمع الإسرائيلي" ما زال يفتقد إلى مقومات الأمة من حيث التقاليد التاريخية المشتركة والوحدة المستقرة والثقافة الأصيلة المشتركة والتكوين السيكولوجي المشترك.
ما سبق جعل المؤرخ الإسرائيلي بني مورس يقول: "إن المشروع الصهيوني كله مشروع أخروي، إنه يقوم في محيط معاد، وبمعنى ما فإن وجوده لم يكن منطقيا أن ينجح في العام 1948، وليس من المنطقي أن ينجح الآن، ومع ذلك وصل إلى ما وصل إليه، وبمعنى آخر فإن في الأمر معجزة.. قد يكون الخراب نهاية هذه العملية وهذا ما يخيفني".
ولقد أدرك المنظرون الصهاينة باكرا مأزق مشروعهم الاستعماري وعدم واقعية نجاح هذا المشروع على المدى الطويل، وكان قادة الحركة الاستيطانية الصهيونية على استعداد للقبول بحلول أدنى بكثير مما حصلوا عليها في العام 1948، إلا أن القوى الاستعمارية دفعت قادة الحركة الصهيونية لمزيد من التصلب والتطرف لتحقيق الأطماع الاستعمارية الأوروبية الغربية في البلدان العربية.
ففي عشرينيات القرن الماضي اقترح زيئيف جابوتنسكي إقامة مملكة فدرالية يهودية عربية يومها كان اليهود يمثلون أقلية ضئيلة في فلسطين. وكرر من بعده دافيد بن غوريون الدعوة لدولة ثنائية القومية في الثلاثينيات من القرن الماضي، لكنه عاد عن مقترحه بعد ذلك في وقت تصاعدت الهجرة اليهودية محققة أرقاما قياسية بدعم أميركي عبر الضغط على حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين.وبدأت الدعوات لهذه الفكرة تخبو في أوساط الحركة الصهيونية، رغم أن العديدين من حركة هشومير هتسعير دعوا في الأربعينيات من القرن الماضي إلى دولة كانتونات على النمط السويسري، لتغيب بعد ذلك الفكرة كليا عن حلبات الحوار، إلا أن جابوتنسكي تذكرها وعاد ليطرحها وهو على فراش الموت، ولم يأبه أحد بذلك، وانتصرت في النهاية أفكار بن غوريون الرافضة لمبدأ الدولة الثنائية القومية كونها تتعارض مع المشروع الصهيوني.
وهذا ما يحدده بن غوريون بدقة في مذكراته بالقول: "عندما وقفت مسألة وحدة البلاد دون دولة يهودية، أو دولة يهودية دون وحدة البلاد، اخترنا الدولة اليهودية بدون وحدة البلاد"، وهو لا يترك خياره هذا مبهما بل يعلله بوضوح شديد إذ يقول: "لنفترض أننا تمكنا بالطريق العسكري أن نحتل كل شرقي وغربي دولة إسرائيل وأنا واثق من ذلك، فماذا سيحصل عندها؟ نقيم دولة واحدة، غير أن الدولة ترغب أن تكون ديمقراطية، وستكون هناك انتخابات عامة، ونحن سنكون أقلية". لكن من جاؤوا إلى كرسي رئاسة وزراء دولة الاحتلال من بعده كان لهم رأي آخر، لذلك شقوا لأنفسهم دربا آخر بعيدا عن نصائح بن غوريون.
ومثل عدوان الخامس من يونيو/حزيران 1967 حدا فاصلا في تاريخ الحركة الصهيونية وأطماعها التوسعية، وإن بدا الأمر ظاهريا بأن النصر المؤزر الذي تمثل في احتلال كامل أراضي فلسطين التاريخية مضافا إليها أراضي عربية أخرى، مثل ذروة نجاح المشروع الصهيوني في المنطقة بإجماع كل تيارات الحركة الصهيونية، إلا أن هذا النصر سيصبح لاحقا مصدر خوف وقلق شديدين، وهذا ما يقوله ميرون بنفنستي: "ليس بوسع الصهيونية الآن الاستمرار في تحقيق حلمها، فهي ضحية انتصارها، ضحية التاريخ لفرصة ضائعة".
لقد قدمت الحركة الصهيونية نفسها "كحركة تحرر وطني للشعب اليهودي" ورسمت على الدوام أكذوبة تظهر اليهود كأقلية ضعيفة مهددة بالإبادة من عالم عربي متوحش، ودأبت لاحقا على تقديم نفسها كواحة للديمقراطية في وسط بحر من الدكتاتورية.
إلا أن هذه الصورة سرعان ما تكشفت، وظهرت الصهيونية ودولة الاحتلال على حقيقتها لدرجة بات من غير الممكن أن يسكت عن ذلك أبرز دعاتها، ومنهم إبراهام بورغ الذي يعترف بأن "ألفي سنة من الصراع انتهت إلى دولة من المستوطنات تديرها عصبة غير أخلاقية من الفاسدين".
ويضيف بورغ: "لا بد أن تنهار بنية قائمة على القسوة الإنسانية، راقبوا تلك اللحظة جيدا: إن بنية الصهيونية السوبر ستار تنهار مثل قاعات الأفراح الرخيصة في القدس".
وما كان لأبراهام بورغ أن يصل إلى هذه النتيجة مثل الكثيرين لولا المقاومة الباسلة التي نهض بها الفلسطينيون على مدار سنوات الاحتلال الطويلة، رغم أن موازين القوى بقيت مختلة بشكل كامل لصالح إسرائيل، مما أفقد قوة البطش الإسرائيلية جدواها في تحويل الانتصارات العسكرية إلى مكاسب سياسية.وهذا ما يوضحه حاييم هنغنبي بالقول: "كنا متسامحين أكثر من اللازم مع الحركة الصهيونية، وأن اليهود جاؤوا إلى هنا ووجدوا أرضا فارغة يقيم فيها شعب آخر، الأمر الذي أوقع اليهود في نمط استخدام القوة بغير حساب. وبدلا من أن يدفعهم الصراع لموقف أخلاقي ونحو الحكمة، خلق لديهم إدمانا في استخدام القوة، ولكن هذه القوة استنفدت ذاتها, لقد وصلت هذه القوة إلى حدود قدرتها. ولذلك إذا بقيت إسرائيل دولة كولونيالية بطابعها فإنها لن تصمد، ففي نهاية المطاف ستكون المنطقة أقوى منها، والمظالم القائمة بالأساس ستكون أقوى منها، وكل من يأمل العيش على حد السيف سيجد نهايته بالسيف".
وإذ أبدى الكثيرون ممن يسمون "دعاة السلام في إسرائيل" معارضتهم للسياسات الليكودية المتطرفة كونها تضر المشروع الصهيوني، بل وتدمره، فهم لا يرون مخرجا من المأزق الذي دخلته إسرائيل الاستعمارية التوسعية الاستيطانية، على حد وصف يهودا ليطاني الذي يقول: "محاولات الدحر والتجاهل ستتواصل هي الأخرى بلا جدوى، لم نتخلص منهم وهم لم يتخلصوا منا".
لكن اليهودي الصهيوني دان كيرتسر السفير الأميركي السابق في "إسرائيل" يرى مخرجا يقلل من خسائر الصهاينة "هناك مسألتان يجب أن تثيرا قلقنا جميعا - أميركيين وإسرائيليين– الواقع الديمغرافي على الأرض، وإمكانية تحول الصراع السياسي الإقليمي هنا إلى صراع أيديولوجي مصيري لا يوجد فيه مكان إلا للمنتصر، هناك علاقة بين هذين التخوفين، وكلما بكرنا في حل الدولتين المعقول سيساعد ذلك في حل المعضلة الديمغرافية وتقليص التهديد الكامن في تحول الصراع إلى مواجهة وجودية بين الشعبين".
والنصيحة التي يقدمها كيرستر وأمثاله تجاوز الفلسطينيين في الحل والعودة إلى خيار كنفدرالية أردنية فلسطينية لخلق منظومة إقليمة تصادر وإلى الأبد طموحات الشعب الفلسطيني في دولة وهوية وطنية مستقلة.
وبشكل عام هناك شبه إجماع لدى جميع تيارات الحركة الصهيونية على أن "إسرائيل" باتت تعيش أزمة عميقة، استمرارها يعني المضي نحو الهلاك الأكيد، وللخروج من هذا المأزق هناك ثلاثة اتجاهات رئيسية في التفكير الإستراتيجي الصهيوني:
الاتجاه الأول يدعو إلى الاستمرار في سياسة "الانفصال عن الفلسطينيين من جانب واحد" في ظل تعذر تسوية سياسية مع الفلسطينيين مقبولة إسرائيليا بشروطها المعروفة، وفي مقدمتها ضم أكبر مساحات ممكنة من الأرض الفلسطينية المحتلة في عدوان الخامس من يونيو/حزيران 1967. وهنا تظهر بعض الخلافات داخل هذا التيار حول مساحة الأراضي التي يجب الانسحاب منها، لكن مبدأ عدم الانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة محل إجماع بينهم.
الاتجاه الثاني يدعو إلى أن يكون الانسحاب على قاعدة اتفاق حل وسط مع الفلسطينيين، وبهذا فهم يرفضون الانفصال الأحادي، رغم اتفاقهم مع التيار الأول بأن أي حل وسط مقبول إسرائيليا لن يتضمن الانسحاب من كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكنهم في ذات الوقت يرون في الجمود السياسي خطرا كبيرا، لذلك يدعون إلى إعادة الروح للعملية التفاوضية.
الاتجاه الثالث يقول بعدم إمكانية الانفصال عن الفلسطينيين مرة أخرى، ويقف جناحا هذا الاتجاه على طرفي نقيض، فغلاة اليمين يرون في إخلاء المستوطنات خيانة عظمى وتقويضا للمشروع الصهيوني، وبالتالي يجب الذهاب إلى النهاية في استخدام القوة وطرد العرب وترحيلهم قسرا من ديارهم.
أما الجناح الثاني من دعاة عدم إمكانية الانفصال فيرون أن واقع الاحتلال أوجد وضعا يصعب العودة عنه، مما جعل شر ثنائية القومية قدرا لا مفر منه. مع ملاحظة أن التيارات كلها تجمع على ضرورة شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ويرى البعض في النقاش الدائر حول الخطر الديمغرافي الفلسطيني مستقبلا أنه لا يعدو كونه فزاعة تتم من خلالها إعادة توحيد الكيان الصهيوني ضد عدو مفترض، وعودة للعزف على نغمة الأقلية المضطهدة في تبرير لتصرفات "إسرائيل" وأفعالها الدموية بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.ويضخم البعض هذه القضية إلى درجة أن يسرائيل هرئيل يعتبرها "أخطر من القنبلة النووية الإيرانية"، في حين يرى البعض الآخر أن النقاش يمتلك مشروعيته من رؤية إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار أن المستقبل لن يكون لصالح "إسرائيل" إذا ما استمرت على طبيعتها العدوانية.
ومن دعاة هذا التيار الرئيس الأسبق للكنيست الإسرائيلي أبراهام بورغ الذي يعبر عن ذلك بالقول: "لا يمكن استمرار دولة تفتقر للعدالة، لقد بدأ الكثير من الإسرائيليين في استيعاب ذلك وهم يسألون أبناءهم أين تتوقعون الحياة بعد خمسة وعشرين عاما؟".
وبغض النظر عن تباعد التقديرات وتضاربها بشأن تقدير مدى تأثير هذا الهاجس على إسرائيل، إلا أنه يبقى أحد مظاهر الأزمة العميقة التي باتت تعيشها، بما هي أزمة مستقبل للمشروع الصهيوني التوسعي الاستعماري وأزمة هوية لإسرائيل، التي نحت في السنوات العشرين الأخيرة لاستجلاب المزيد من المهجرين لإقامة المزيد من المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كجزء من معركة التوازن الديمغرافي المستقبلي مع الفلسطينيين، وتأمين العنصر البشري لآلتها العسكرية.
حيث يمثل اليوم المهجرون من دول الاتحاد السوفياتي السابق ودول أوروبا الشرقية واليهود من أصول شرقية أكثر من 75% من قوام الجيش الإسرائيلي، وهذا بدوره يفرز لإسرائيل إشكالية لا تقل حسب منظِّري الصهيونية خطرا عن اختلال الميزان الديمغرافي مستقبلا لصالح الفلسطينيين، لأن ذلك يفتح على صراع هويات قومية متناقضة تصيب مقتلا المشروع الاستيطاني الصهيوني.
ــــــــــ
التسميات: نهاية إسرائيل
في 17 أغسطس/ آب 2006، أي أثناء الحرب العربية الإسرائيلية السادسة، وبينما كانت الطائرات الإسرائيلية تدك المدن والقرى والبنية التحتية اللبنانية وتُسيل دم المدنيين، نشرت صحيفة معاريف مقالا كتبه الصحافي يونتان شيم بعنوان "أسست تل أبيب في العام 1909 وفي العام 2009 ستصبح أنقاضا".
جاء في المقال "أنه قبل مائة عام أقاموا أولى المدن العبرية، وبعد مائة عام من العزلة قضي أمرها". ما الذي يدعو مثل هذا الكاتب للحديث عن النهاية، نهاية إسرائيل، في وقت بلغت فيه القوة العسكرية الإسرائيلية ذروتها، وتجاوز الدعم الأميركي، السياسي والمالي والعسكري، لها كل الحدود والخطوط الحمراء؟ كيف يمكن تفسير هذا الموقف؟
ابتداء لا بد أن نذكر حقيقة تاهت عن الكثيرين في العالم العربي، وهي أن موضوع نهاية إسرائيل متجذر في الوجدان الصهيوني. فحتى قبل إنشاء الدولة أدرك كثير من الصهاينة أن المشروع الصهيونى مشروع مستحيل وأن الحلم الصهيوني سيتحول إلى كابوس.
وبعد إنشاء الدولة وبعد أن حقق المستوطنون الصهاينة "النصر" على الجيوش العربية تصاعد هاجس النهاية.
ففي العام 1954 قال موشيه ديان وزير الدفاع والخارجية الإسرائيلي، في جنازة صديق له قتله الفدائيون الفلسطينيون "علينا أن نكون مستعدين ومسلحين، أن نكون أقوياء وقساة، حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة".
النهاية، ماثلة دائما في العقول، فالضحايا الذين طردوا من ديارهم تحولوا هم وأبناؤهم إلى فدائيين يقرعون الأبواب يطالبون بالأرض التي سلبت منهم.
ولذا فإن الشاعر الإسرائيلي حاييم جوري يرى أن كل إسرائيلي يُولَد "وفي داخله السكين الذي سيذبحه"، فهذا التراب (أي إسرائيل) لا يرتوي"، فهو يطالب دائما "بالمزيد من المدافن وصناديق دفن الموتى". في الميلاد يوجد الموت وفي البداية توجد النهاية.
وتتناول قصة "في مواجهة الغابة" التي كتبها الروائي الإسرائيلي أبراهام يهوشوا في النصف الأول من الستينيات الحالة النفسية لطالب إسرائيلي عين حارسا لغابة غرسها الصندوق القومي اليهودي في موقع قرية عربية أزالها الصهاينة مع ما أزالوه من قرى ومدن.
ورغم أن هذا الحارس ينشد الوحدة، فإنه يقابل عربيا عجوزا أبكم من أهل القرية يقوم هو وابنته برعاية الغابة، وتنشأ علاقة حب وكره بين العربي والإسرائيلي، فالإسرائيلي يخشى انتقام العربي الذي أصيب بعاهته أثناء عملية التنظيف العرقي التي قام بها الصهاينة عام 1948.
ولكن ورغم هذا يجد نفسه منجذبا إلى العجوز العربي بصورة غير عادية، بل يكتشف أنه يحاول، بلا وعي، مساعدته في إشعال النار في الغابة.
وفي النهاية، عندما ينجح العربي في أن يضرم النار في الغابة، يتخلص الحارس من كل مشاعره المكبوتة، ويشعر براحة غريبة بعد احتراق الغابة، أي بعد نهاية إسرائيل!
وفي اجتماع مغلق في مركز الدراسات السياسة والإستراتيجية في الأهرام أخبرنا الجنرال الفرنسي أندريه بوفر، الذي قاد القوات الفرنسية في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بواقعة غريبة، كان هو شاهدها الوحيد.
فقد ذهب لزيارة إسحق رابين في منتصف يونيو/ حزيران 1967 أى بعد انتهاء الحرب بعدة أيام، وبينما كانا يحلقان في سماء سيناء والقوات الإسرائيلية المنتصرة في طريق عودتها إلى إسرائيل بعد أن أنجزت مهمتها، قام الجنرال بوفر بتهنئة رابين على نصره العسكري، ففوجئ به يقول "ولكن ماذا سيتبقى من كل هذا؟" “what will remain of it?” all. في الذروة أدرك الجنرال المنتصر حتمية الهوة والنهاية.
إن موضوع النهاية لا يحب أحد في إسرائيل مناقشته، ولكنه مع هذا يُطل برأسه في الأزمات، فأثناء انتفاضة 1987، حين بدأ الإجماع الصهيوني بخصوص الاستيطان يتساقط، حذر إسرائيل هاريل المتحدث باسم المستوطنين من أنه إذا حدث أى شكل من أشكال الانسحاب والتنازل (أى الانسحاب من طرف واحد). فإن هذا لن يتوقف عند الخط الأخضر (حدود 1948)، إذ سيكون هناك انسحاب روحى يمكن أن يهدد وجود الدولة ذاتها (الجيروزاليم بوست 30 يناير/ كانون الثاني 1988).
وأخبر رئيس مجلس السامرة الإقليمى شارون (فى مشادة كلامية معه) "إن هذا الطريق الدبلوماسى هو نهاية المستوطنات، إنه نهاية إسرائيل" (هآرتس 17 يناير/كانون الثانى 2002). ويردد المستوطنون أن الانسحاب من نابلس يعنى الانسحاب من تل أبيب.
ومع انتفاضة الأقصى تحدثت الصحف الإسرائيلية عدة مرات عن موضوع نهاية إسرائيل، فقد نشرت جريدة يديعوت أحرونوت (27 يناير/كانون الثانى 2002) مقالا بعنوان "يشترون شققا فى الخارج تحسبا لليوم الأسود"، اليوم الذى لا يحب الإسرائيليون أن يفكروا فيه، أى نهاية إسرائيل.!
والموضوع نفسه يظهر في مقال ياعيل باز ميلماد (معاريف 27 ديسمبر/ كانون الأول 2001) الذي يبدأ بالعبارة التالية "أحاول دائما أن أبعد عنى هذه الفكرة المزعجة، ولكنها تطل في كل مرة وتظهر من جديد، هل يمكن أن تكون نهاية الدولة كنهاية الحركة الكيبوتسية؟ ثمة أوجه شبه كثيرة بين المجريات التي مرت على الكيبوتسات قبل أن تحتضر أو تموت، وما يجرى في الآونة الأخيرة مع الدولة".
وقد لخص جدعون عيست الموقف في عبارة درامية "ثمة ما يمكن البكاء عليه: إسرائيل" (يديعوت أحرونوت 29 يناير/ كانون الثاني 2002).
بل إن مجلة نيوزويك (2 أبريل/ نيسان 2002) صدرت وقد حمل غلافها صورة نجمة إسرائيل، وفي داخلها السؤال التالي "مستقبل إسرائيل: كيف سيتسنى لها البقاء؟". وقد زادت المجلة الأمور إيضاحا حين قالت: "هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأية هوية؟".
ولكن ما يهمنا في هذا السياق ما قاله الكاتب الإسرائيلي عاموس إيلون: الذي أكد أنه في حالة يأس لأنه يخشى أن يكون الأمر قد فات". ثم أضاف "لقد قلت لكم مجرد نصف ما أخشاه" (النصف الثانى أن الوقت قد فات بالفعل).
ويتكرر الحديث عن نهاية إسرائيل في مقال إيتان هابر بعنوان "ليلة سعيدة أيها اليأس.. والكآبة تكتنف إسرائيل" (يديعوت أحرونوت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001). يشير الكاتب إلى أن الجيش الأميركي كان مسلحا بأحدث المعدات العسكرية، ومع هذا يتذكر الجميع صورة المروحيات الأميركية تحوم فوق مقر السفارة في سايجون، محاولة إنقاذ الأميركيين وعملائهم المحليين في ظل حالة من الهلع والخوف حتى الموت. إن الطائرة المروحية هي رمز الهزيمة والاستسلام والهروب الجبان في الوقت المناسب.
ثم يستمر الكاتب نفسه في تفصيل الموقف "إن جيش الحفاة في فيتنام الشمالية قد هزم المسلحين بأحدث الوسائل القتالية. ويكمن السر في أن الروح هي التي دفعت المقاتلين وقادتهم إلى الانتصار. الروح تعنى المعنويات والتصميم والوعي بعدالة النهج والإحساس بعدم وجود خيار آخر. وهو ما تفتقده إسرائيل التي يكتنفها اليأس".
أما أبراهام بورج فيقول في مقال له (يديعوت أحرونوت، 29 أغسطس/ آب 2003) إن "نهاية المشروع الصهيوني على عتبات أبوابنا. وهناك فرصة حقيقية لأن يكون جيلنا آخر جيل صهيوني".
قد تظل هناك دولة يهودية، ولكنها ستكون شيئا مختلفا، غريبة وقبيحة.. فدولة تفتقد للعدالة لا يمكن أن يكتب لها البقاء.. إن بنية الصهيونية التحتية آخذة في التداعي.. تماما مثل دار مناسبات رخيصة في القدس، حيث يستمر بعض المجانين في الرقص في الطابق العلوي بينما تتهاوى الأعمدة في الطابق الأرضي".
ثم، أطل الموضوع برأسه مجددا في مقال ليرون لندن (يديعوت أحرونوت 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003) بعنوان "عقارب الساعة تقترب من الصفر لدولة إسرائيل"، وجاء فيه "في مؤتمر المناعة الاجتماعية الذي عقد هذا الأسبوع، علم أن معدلا كبيرا جدا من الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30 سنة. وهذه المعطيات المقلقة تدل على أن عقارب الساعة تقترب من الساعة 12، (أي لحظة النهاية)، وهذا هو السبب في كثرة الخطط السياسية التي تولد خارج الرحم العاقر للسلطة".
وحينما أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها بخصوص الجدار العازل وعدم شرعيته بدأ الحديث على الفور عن أن هذه هى بداية النهاية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هاجس النهاية الذي يطارد الإسرائيليين؟ سنجد أن الأسباب كثيرة، ولكن أهمها إدراك المستوطنين الصهاينة أن ثمة قانونا يسري على كل الجيوب الاستيطانية، وهو أن الجيوب التي أبادت السكان الأصليين (مثل أميركا الشمالية وأستراليا) كتب لها البقاء، أما تلك التي أخفقت في إبادة السكان الأصليين (مثل ممالك الفرنجة التي يقال لها الصليبية والجزائر وجنوب أفريقيا) فكان مصيرها الزوال.
ويدرك المستوطنون الصهاينة جيدا أن جيبهم الاستيطاني ينتمي لهذا النمط الثاني وأنه لا يشكل أي استثناء لهذا القانون، إن الصهاينة يدركون أنهم يعيشون في نفس الأرض التي أقيمت فيها ممالك الفرنجة وتحيط بهم خرائب قلاع الفرنجة، التي تذكرهم بهذه التجربة الاستيطانية التي أخفقت وزالت.
ومما يعمق من هاجس النهاية أن الوجدان الغربي والصهيوني يوحد من البداية بين المشروع الصليبي والمشروع الصهيوني ويقرن بينهما، فلويد جورج رئيس الوزارة البريطانية التي أصدرت وعد بلفور، صرح بأن الجنرال اللنبي الذي قاد القوات الإنجليزية التي احتلت فلسطين شن وربح آخر الحملات الصليبية وأعظمها انتصارا.
ويمكننا أن نقول إن المشروع الصهيوني هو نفسه المشروع الفرنجي بعد أن تمت علمنته، وبعد أن تم إحلال المادة البشرية اليهودية التي تم تحديثها وتطبيعها وتغريبها وعلمنتها محل المادة البشرية المسيحية.
لكل هذا يدرس العلماء الإسرائيليون المقومات البشرية والاقتصادية والعسكرية للكيان الفرنجي، والعلاقة بين هذا الكيان والوطن الأصلي المساند له. وقد وجه كثير من الباحثين الصهاينة اهتمامهم لدراسة مشكلات الاستيطان والهجرة التي واجهها الكيان الفرنجى ومحاولة فهم عوامل الإخفاق والفشل التي أودت به.
ولكن الاهتمام لا يقتصر على الدوائر الأكاديمية، فنجد أن شخصيات سياسية عامة مثل إسحق رابين وموشيه ديان يهتمون بمشاكل الاستيطان والهجرة. ففي سبتمبر/ أيلول 1970 عقد إسحق رابين مقارنة بين ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية حيث توصل إلى أن الخطر الأساسي الذي يهدد إسرائيل هو تجميد الهجرة، وأن هذا هو الذي سيؤدي إلى اضمحلال الدولة بسبب عدم سريان دم جديد فيها.
ويورى أفنيرى، الكاتب الصحفي الإسرائيلي، وعضو الكنيست السابق، كان من المستوطنين الصهاينة الذين أدركوا منذ البداية استحالة تحقيق المشروع أو الحلم الصهيوني.
ولذا كان ينشر منذ الخمسينيات مجلة هاعولام هزه (هذا العالم) التي تخصصت في توجيه النقد للسياسات الصهيونية. وكان أفنيرى يحذر الصهاينة من مصير ممالك الفرنجة التي لم يبق منها سوى بعض الخرائب.
وقد صدر له كتاب بعنوان إسرائيل بدون صهيونية ( 1968) عقد فيه مقارنة مستفيضة بين ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية، فإسرائيل مثل ممالك الفرنجة محاصرة عسكريا لأنها تجاهلت الوجود الفلسطيني ورفضت الاعتراف بأن أرض الميعاد يقطنها العرب منذ مئات السنين.
ثم عاد أفنيري إلى الموضوع عام 1983، بعد الغزو الصهيوني للبنان، في مقال نشر في هاعولام هزه بعنوان "ماذا ستكون النهاية"، فأشار إلى أن ممالك الفرنجة احتلت رقعة من الأرض أوسع من تلك التي احتلتها الدولة الصهيونية، وأن الفرنجة كانوا قادرين على كل شيء إلا العيش في سلام، لأن الحلول الوسط والتعايش السلمي كانا غريبين على التكوين الأساسي للحركة.
وحينما كان جيل جديد يطالب بالسلام كانت مجهوداتهم تضيع سدى مع قدوم تيارات جديدة من المستوطنين، ما يعني أن ممالك الفرنجة لم تفقد قط طابعها الاستيطاني.
كما أن المؤسسة العسكرية الاقتصادية للفرنجة قامت بدور فعال في القضاء على محاولات السلام، فاستمر التوسع الفرنجي على مدى جيل أو جيلين. ثم بدأ الإرهاق يحل بهم، وزاد التوتر بين المسيحيين الفرنجة من جهة وأبناء الطوائف المسيحية الشرقية من جهة أخرى، ما أضعف مجتمع الفرنجة الاستيطاني، كما ضعف الدعم المالي والسكاني من الغرب.
وفي الوقت نفسه بدأ بعث إسلامي جديد، وبدأت الحركة للإجهاز على ممالك الفرنجة، فأوجد المسلمون طرقا تجارية بديلة عن تلك التي استولى عليها الفرنجة. وبعد موت الأجيال الأولى من أعضاء النخبة في الممالك، حل محلهم ورثة ضعفاء في وقت ظهرت فيه سلسلة من القادة المسلمين العظماء ابتداء من صلاح الدين ذي الشخصية الأسطورية حتى الظاهر بيبرس. وظل ميزان القوى يميل لغير صالح الفرنجة، ولذا لم يكن هناك ما يوقف هزيمتهم ونهايتهم ونهاية الممالك الصليبية!
لكل هذا عاد هاجس النهاية مرة أخرى بعد الحرب السادسة وبعد الصمود اللبناني العظيم في وجه الهمجية الإسرائيلية، وبعد إبداع المقاومة اللبنانية.
فقد اكتشف الصهاينة حدود القوة ووصلوا إلى مشارف النهاية، وكما قال المثقف الإسرائيلي شلومو رايخ "إن إسرائيل تركض من نصر إلى نصر حتى تصل إلى نهايتها المحتومة".
فالانتصارات العسكرية لم تحقق شيئا، لأن المقاومة مستمرة ما يؤدى إلى ما سماه المؤرخ الإسرائيلي يعقوب تالمون (نقلا عن هيغل) "عقم الانتصار". والله أعلم
التسميات: نهاية إسرائيل