إبحث فى المدونة والروابط التابعة

بعلزبول .. ملك العالم السفلى

بعلزبول .. ملك العالم السفلى
نتن ياهووووووووووووووووووووووووو

كابوس السفر من غزة

شيرين فريد



لندن ـ 'القدس العربي'

من هيام حسان:

كانت آثار البرودة التي تركتها الغرفة الصغيرة الجرداء في أحد الأركان المهجورة من مطار القاهرة الدولي قد أخذت في التلاشي تدريجياً عندما اتخذ الشاب محمد (اسم مستعار) مكانه في الطائرة المتجهة الى احدى العواصم الاوروبية. الحفاوة ورقة الضيافة أسهمتا في تبديد البرودة عن آخرها بالنسبة للشاب الغزاوي ولكن سؤالاً ظل يدوي في رأسه: أما كان من الممكن أن يحظى الفلسطيني بشيء من هذه الحفاوة على أرض الكنانة؟

ما ان حطت به الرحال في لندن حتى وجد محمد متنفساً من حرية التعبير جعله يبادر بطلب طرح تساؤله عبر 'القدس العربي'، آملاً في أن تسهم مع غيرها من وسائل الاعلام في تسليط الضوء على هذه القضية الانسانية بما يؤدي الى تحسين ظروف سفر الغزيين سيما ما تعلق منها بالجانب المصري الذي يعتبر الجزء الاصعب في رحلة سفر أي غزاوي. والمعروف أن معبر رفح الحدودي هو المنفذ الوحيد المتاح لأهالي قطاع غزة للاتصال بالعالم الخارجي. والوضع العام على المعبر الآن هو الاغلاق مع استثناءات قليلة للمعتمرين وأصحاب الاقامات أو الحاجات الصحية العاجلة. ويعاني الذكور على وجه الخصوص قيوداً مضاعفة يفرضها الجانب المصري على تحركاتهم بمجرد مغادرتهم للجانب الفلسطيني للمعبر. ومجمل هذه القيود ترمي الى السيطرة على خط سيرهم بحيث لا يدخلون الاراضي المصرية باستثناء الطريق المؤدية الى المطار حيث يسمح لهم بالمغادرة من هناك الى أماكن أخرى من العالم.

ويقول محمد ان المعاناة لا تبدأ من حيث الجانب المصري من المعبر فقبل ذلك لا يخلو الامر من الكثير من المتاعب ولكن المعاناة تتفاقم عند الجانب المصري بحيث يستشعر المسافر أن كرامته مستباحة وأن لا قيمة لانسانيته أو مكانته الاجتماعية، أما الاسوأ حظاً فهم من يشتبه الامن المصري بهم ويسعى الى تخليص حسابات قديمة أو جديدة معهم.

وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى أن مطالب تحسين شروط نقل المسافرين (ترحيلهم) قد تم طرحها في أكثر من مرة خلال السنوات الأخيرة على الجانب المصري ولكن الامر لم يتمخض حتى اليوم سوى عن وعود بانشاء قاعة لائقة لاستقبال المرحلين، ولم تبصر الوعود النور حتى اللحظة ولا يبدو أنها أولوية في ظل التركيز على مطالب فتح المعبر فقط بحيث يتاح للغزيين فرصة السفر كما غيرهم. وحصدت اجراءات السفر عبر معبر رفح أرواح المئات حتى اليوم دون أن يغير الامر شيئاً في الواقع الذي ازداد سوءاً مع تفرد حماس بمقاليد السلطة في غزة العام 2007. وأكد محمد في حديثه لـ'القدس العربي' ما خبره الكثير من الفلسطينيين من قبل ونقلوه لوسائل الاعلام من أن تسيير الامور مع الجانب المصري لا يكون بدون تقديم 'الرشاوى' التي تجري المساومة على قيمتها في غالب الأحيان بحيث تكبح شهية المرتشي وتقنعه بتقديم خدمات يفترض أنها من صميم الواجبات التي يؤديها بموجب وظيفته. كما اشتكى من أن نقله وآخرين من المعبر الى المطار حيث تستغرق الرحلة نحو خمس ساعات قد استمر لمدة خمس عشرة ساعة لا لسبب سوى تعطل شاحنتين من الشاحنات الاثنتي عشرة التي تقل المسافرين الذكور، مستهجناً حالة اللامبالاة التي جرى بها التعامل مع الامر من قبل الموظفين المصريين الذين لم يكترثوا لأمر توفير حلول أخرى أكثر منطقية، مشيراً الى أن رسم النقل (الشحن) بقي كما هو رغم المعاناة والوقت الضائع ورداءة الشاحنات وعدم لياقتها لنقل البشر حيث بلغ نحو 105 جنيهات مصرية للفرد الواحد. وأوضح أن أسوأ ما في الامر أنه طيلة مدة النقل التي بلغت نحو 15 ساعة لم يكن مسموحاً للمسافرين بالتوقف لاستخدام التواليت أو تناول بعض المأكولات والمشروبات الخفيفة.

وتابع: عندما وصلنا المطار أخيرا بعد كل هذا العناء وضعونا في غرفة صغيرة قذرة ليس فيها أي نوافذ تطل على الخارج .. كان هناك صخب وضجة ولم يسمحوا لنا بالمغادرة سوى الى التواليت الذي كان قذراً للغاية وغير مناسب للاستخدام الآدمي.

وأضاف: أخذوا ينادون على أسمائنا وهم يمسكون بجوازات سفرنا التي احتفظوا بها طوال الوقت حيث قاموا بتقسيمنا الى مجموعات كلٍ حسب الوجهة التي يريد السفر اليها. ..توجب علينا الانتظار نحو خمس ساعات قبل الموعد المقرر للطائرة ..وضعونا في غرفة صغيرة باردة جداً في أحد أركان المطار دونما اتاحة الفرصة للحصول على مشروب ساخن أو حتى مغادرة غرفة الانتظار.

وأعرب محمد عن أسفه لأنه تعين عليه أن يدفع رشوة أخرى للضابط الذي أطلق سراحه ليكون خارج الغرفة ويستعد لركوب الطائرة هو وزملاؤه قبل موعد اقلاع الطائرة بنحو ساعة وقال: دفعت له 20 جنيها وشعرت بأنه غير راضٍ عن المبلغ.

وعن شعوره لدى مغادرة الاراضي المصرية قال: شعرت أنني انسان (!). لقد استقبلنا أعضاء الطاقم الاوروبي على الطائرة بابتسامة وعاملونا كبشر مؤهلين للاحترام والمعاملة الكريمة وليس كالمصريين الذين تعاملوا معنا كـ 'عبيد' و'حيوانات' ..أكثر ما أخشاه حالياً هي المعاناة ذاتها في طريق العودة.

وتبدو تجربة محمد على سوئها أوفر حظاً من تجارب البعض الآخر مما درجت وسائل الاعلام على نشره أو أولئك الذين دفعوا أرواحهم ثمناً لقرارهم بالسفر من أو الى غزة. ورغم الاقرار بوجود صعوبات جمة أخرى على الضفة الاخرى (الجانب الفلسطيني من المعبر) الا أن الآمال تبقى متجهة للمصريين بتحسين ظروف السفر من جانبهم كونهم يمثلون دولة لها سيادة لا مصلحة لها في احالة حياة الفلسطينيين الى جحيم مثلما هو الحال مع اسرائيل.

ويأمل محمد من خلال ايصال صوته عبر 'القدس العربي' الى المسؤولين المصريين في ردة فعل ايجابية من طرفهم تتمثل في قرارات حاسمة لمعالجة الوضع المزري، وذلك رغم علمه بأن جهوداً كثيرة تم بذلها على هذا الصعيد من قبل ولكن دونما جدوى.

0 التعليقات: