إبحث فى المدونة والروابط التابعة
بعلزبول .. ملك العالم السفلى
تناولنا فى مقال سابق بعنوان " مصر والعدو الامريكى 1967 ــ 1973 " ، حقيقة العدوان الامريكى على مصر فى هذه الفترة ، وكيف انه وضع امريكا فى مرتبة العدو الصريح لنا ، تماما ، مثل العدو الصهيونى ، بموجب قواعد ومواثيق القانون الدولى .
واليوم نستكمل الحوار ، ونتناول المرحلة التالية فى العلاقات المصرية الامريكية 1974 ــ 1982 . وسنجد فيها : انه بدلا من ان تقوم القيادة المصرية بتثبيت ما حققته من نصر فى الحرب ، وتعيد تنظيم الصفوف ، وتعد للجولة التالية فى معركة تحرير الارض المحتلة ، بالتنسيق مع الاصدقاء والحلفاء ، فى مواجهة العدوين الامريكى والصهيونى .
نقول بدلا من ذلك فانها اختارت الانحياز الى العدو الامريكى ، وتسليمه مقاليد الامور ، ومكنته من دخول مصر واختراقها .
وكان من نتيجة ذلك ان نجحت امريكا " العدوة " فى الفترة من 1974 ــ 1982 فى اختراق مصر من الداخل على وجه لم تكن لتحلم به :
1) فانشأت قواعد عسكرية لها فى سيناء
2) واصبحت هى المصدر الرئيسى لتسليح مصر .
3) و سيطرت على الاقتصاد المصرى .
والى حضراتكم بعض التفاصيل :
اولا ــ القواعد العسكرية الامريكية فى سيناء :
§ تم التمهيد لذلك فى اتفاقية فض الاشتباك الثانى ، الموقعة بين مصر واسرائيل وبرعاية امريكية ، فى اول سبتمبر 1975 ، فقد نصت على ان تتولى الولايات المتحدة مهمة انشاء وادارة محطات الانذار المبكر فى سيناء من خلال 200 فرد مدنى امريكى متمتعين بالحصانة الجنائية والمدنية والضرائبية والجمركية.
§ ثم كانت الطامة الكبرى فى اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية الموقعة فى 26 مارس 1979 ، اذ قام الطرفان الامريكى والصهيونى بالتحايل على الطرف المصرى ، على الوجه التالى :
§ كان الاتفاق المبدئى الوارد فى الاتفاقية الرئيسية ، ان مهمة مراقبة الوضع فى سيناء ، ستتولاه قوات من الامم المتحدة ، و من الدول غير ذات العضوية الدائمة فى مجلس الامن ، وقد ورد ذلك فى الفقرة الثامنة من المادة السادسة من الملحق الاول .
§ ولكن الامريكان عدلوا هذا النص بالنص التالى ، والذى قبله للاسف المفاوض المصرى :
" فى حالة عدم الوصول إلى إتفاق بين الطرفين فيما يتعلق بأحكام الفقرة الثامنة من المادة السادسة من الملحق الأول ، فإنهما يتعهدان بقبول أو تأييد ما تقترحه الولايات المتحدة الأمريكية بشأن تشكيل قوات الأمم المتحدة والمراقبين ".
§ وبالفعل استبدلت امريكا ، قوات الامم المتحدة ، بقوات سميت بالقوات متعددة الجنسية والمراقبين ، بموجب بروتوكول تم ابرامه بين الاطراف الثلاثة فى 3 اغسطس 1981 ، وتم الاتفاق على تفاصيله فى 31 يناير 1982 .
§ وهى القوات الموجودة فى سيناء الآن ، ويبلغ تعدادها حوالى 2000 فرد ، وهى غير خاضعة للامم المتحدة ، وتتكون اسما من عشرة دول ، ولكن اغلبية القوات المقاتلة منها ( قوات المشاة ) من الولايات المتحدة بنسبة 40 % ، وباقى الدول المشاركة من حلفاء امريكا فى حلف الناتو وامريكا اللاتينية .
§ وقيادتها المدنية الدائمة امريكية .
§ وتتمركز فى قاعدتين عسكريتين فى شرم الشيخ جنوبا ، وفى الجورة شمالا .
§ بالاضافة الى 30 نقطة تفتيش داخل الاراضى المصرية .
§ ولا يجوز لمصر ان تطالب بانسحابها ، الا بعد التصويت الايجابى للاعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الامن .
§ وهى تتمركز فى مصر فقط ، اما اسرائيل ، فلم تسمح بوجود قوات على اراضيها ، ورضيت بمراقبين مدنيين فقط لا يتجاوز عددهم 50 مراقب معظمهم من الامريكان .
* *
الخلاصة : ان فى سيناء الآن ومنذ عام 1982 قوات تابعة للعدو الامريكى ، تراقب مصر وتنسق مع العدو الصهيونى . لا نملك الحق فى المطالبة بسحبها .
* * * * *
ثانيا ـ الامريكان هم المصدر الرئيسى للسلاح المصرى :
وتفصيل ذلك انه منذ 1975 وحتى تاريخه ، تتفضل الولايات المتحدة باعطائنا معونة عسكرية قيمتها 1.3 مليار دولار ، وبنسبة 2 : 3 لصالح اسرائيل ، وهو ما يمكنها من التحكم فى الميزان العسكرى لصالح اسرائيل من خلال :
§ نوعية السلاح وحداثته .
§ كميته
§ قطع غياره
§ التدريب والمتدربين والمدربين
§ عدم السماح باعادة تصديره الا بموافقة امريكية
§ قيود على استخدامه فيما يتعارض مع المصالح الامريكية .
§ تحكم تقنى غير مباشر فى وجهة استخدام بعض الاسلحة ( الاهداف الموجهة اليها ) وعدد مرات الاستخدام .
* *
الخلاصة : ان عدونا الامريكى والحليف الاستراتيجى لعدونا الصهيونى ، اصبح له السيطرة الكاملة على الميزان العسكرى لصالح اسرائيل .
* * * * *
ثالثا ـ السيطرة الامريكية على الاقتصاد المصرى :
§ كذلك استطاعت امريكا بتعاون كامل من الادارة المصرية خلال الفترة المذكورة وما تلاها من اعادة صياغة نظامنا الاقتصادى ، بما يتناسب مع النموذج المفضل والمحبب للامريكان فيما يتعلق بالدول النامية ، وبما يؤهلها كالمعتاد للتحكم فيه والسيطرة الكاملة عليه فى المدى المتوسط والبعيد .
§ فبدأت فى ضرب دور الدولة فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وتجريدها تدريجيا من املاكها العامة . وغل يدها عن التدخل فى ادارة وتخطيط العملية الانتاجية .
§ واستبدالها بما يسمونه " بقوى السوق " . وهو الاسم التجميلى للقوى الراسمالية الاجنبية بشركاتها ومؤسساتها المتعددة
§ و التى قد عادت الى مصر من اوسع الابواب بموجب قانون الانفتاح الاقتصادى الصادر فى 19 يونيو 1974 ، بعد انتهاء الحرب ببضعة شهور!
§ و التى استطاعت بالتحالف مع رجال اعمال مصريين ( القطاع الخاص ) من احكام السيطرة تدريجيا على السوق المصرى الضعيف ، وربطه بالسوق العالمى ، رباط التابع بالمتبوع .
§ وقد أشرف على ادارة كل ذلك ، بطبيعة الحال ، المؤسسات الشهيرة سيئة السمعة: البنك وصندوق النقد الدوليين بالاضافة الى هيئة المعونة الامريكية . وكلهم احفاد وابناء صناديق الدين العام الذين افقدوا مصر وغيرها استقلالها على مدى قرن كامل .
§ عادوا الينا مرة اخرى بعد الحرب ، وباسم القروض والمساعدات والمعونة ، وضمانات السداد ، والاصلاح المالى والتكيف الهيكلى والتثبيت الاقتصادى ، وبضعة مصطلحات مشابهة ، وضعوا لنا اجندات وتعليمات اقتصادية محددة ، التزمنا بها ولا نزال .
§ وبموجبها اغرقت مصر فى الديون ، وسلمت ادارة اقتصادنا الى مؤسسات العدو النقدية لضمان السداد . يفعلون فيه ما يشاؤون .
§ ونتذكر جميعا ثورة الشعب المصرى فى يناير 1977 ، ضد قرارات غلاء الاسعار التى اتخذتها الحكومة المصرية تنفيذا لتعليمات صندوق النقد ، تلك الثورة التى نجحت فى ارغام الحكومة على التراجع مؤقتا ، ولكن لتعيد الكرة ولكن باساليب جديدة ، وصولا الى ما هو قائم الآن .
§ واخيرا ، يكفى ان نعلم انه فى عام 1980 ، بعد سبع سنوات من الحرب ضد امريكا واسرائيل ، كان فى مصر حوالى 1100 خبير امريكى يعملون ضمن هيئة المعونة الامريكية ، يتدخلون فى كل صغيرة وكبيرة فيما يتعلق بشئوننا الاقتصادية ، بذريعة ادارة 800 مليون دولار معونة اقتصادية سنوية تدفعها امريكا لمصر .
* *
الخلاصة : أعاد الامريكان فى هذه المرحلة ، صياغة الاقتصاد المصرى ، مما مكنهم فى السنوات والعقود التالية فى احكام السيطرة عليه واغراق مصر فى التبعية الاقتصادية .
* * * * *
تفسير آخر للعلاقات المصرية الأمريكية :
هناك بالطبع من يقدم تفسيرات أخرى لما سردناه من احداث ووقائع ، واقصد بهم اخواننا من رجال النظام المصرى واصدقاء امريكا ، فهم ينطلقون من الآتى :
§ ان الحرب انتهت ونحن الآن فى حالة سلام
§ وان الدنيا تغيرت و موقف امريكا تغير ، وتحولت من عدو الى صديق وحليف استراتيجى
§ وبهذا الشكل فان علاقتنا معها تحتمل كل ما هو قائم واكثر ، من تعاون عسكرى واقتصادى وسياسى ..الخ
§ وهذا هو حال الدنيا كلها ، فكل دول العالم لها تحالفاتها وعلاقاتها المماثلة مع امريكا وغيرها .
§ ثم عادة ما يقوم هؤلاء بختام تحليلاتهم باتهام امثالنا بالمزايدة وعدم الواقعية والانتماء الى أزمنة ومفاهيم بائدة وقديمة .
* *
وردا على هؤلاء ، نقدم الوثيقة التالية :
الانذار الامريكى لمصر والتحالف ضدها :
قامت الولايات المتحدة الامريكية ، بتوجيه انذار رسمى لنا فى 25 مارس 1979 قبل يوم واحد من توقيع معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية ، تبلغنا فيه انها اتفقت مع اسرائيل على انه اذا قمنا بانتهاك اتفاقية السلام أو هددنا بانتهاكها على المستوى العسكرى او السياسى او الاقتصادى ، فان الولايات المتحدة ستتدخل بنفسها عسكريا ضدنا وستدعم كل ما تقوم به اسرائيل من تدابيرفى مواجهتنا .
وهو ما عرف باسم مذكرة التفاهم الامريكية الاسرائيلية ، وفيما يلى جزء من نصوصها :
1) حق الولايات لمتحدة في اتخاذ ما تعتبره ملائما من اجراءات في حالة حدوث انتهاك لمعاهدة السلام او تهديد بالانتهاك بما في ذلك الاجراءات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية 0
2) تقدم الولايات المتحدة ما تراه لازما من مساندة لما تقوم به اسرائيل من اعمال لمواجهة مثل هذه الانتهكات خاصة اذا ما رئى أن الانتهاك يهدد امن اسرائيل بما في ذلك على سبيل المثال ، تعرض اسرئيل لحصار يمنعها من استخدام الممرات المائية الدولية وانتهاك بنود معاهدة السلام بشان الحد من القوات او شن هجوم مسلح على اسرائيل 0 وفى هذه الحالة فان الولايات المتحدة لامريكية على استعداد للنظر بعين الاعتبار وبصورة عاجلة في اتخاذ اجرءات مثل تعزيز وجود الولايات المتحدة في المنطقة وتزويد اسرائيل بالشحنات العاجلة وممارسة حقوقها البحرية لوضع حدا للانتهاك 0
3) سوف تعمل لولايات المتحدة بتصريح و مصادقة الكونجرس على النظر بعين الاعتبار لطلبات المساعدة العسكرية والاقتصادية لاسرائيل وتسعى لتلبيتها "
* * * * * *
خلاصة المقال :
بعد ان شارك الامريكان فى العدوان علينا والتحالف مع عدونا الصهيونى فى الفترة من 1967 حتى 1973 ، فان الادارة المصرية بدلا من ان تستعد للجولة التالية ، فتتحالف مع الاصدقاء وتواجه الاعداء ، وتعد العدة ، وتواصل معركة التحرير الحقيقى . فانها قامت بتمكين امريكا من امتلاك قواعد عسكرية فى سيناء ، واحتلال مركز المصدر الرئيسى للتسليح المصرى بما يصب فى مصلحة اسرائيل ، كما مكنتها من السيطرة على الاقتصاد المصرى واختراقه . كل ذلك رغم ان الامريكان لم يتخلوا عن عدائهم الصريح لمصر ، فجددوا انحيازهم الى العدو الصهيونى فى عام 1979 ، ووقعوا معه اتفاق تحالف عسكرى ضد مصر ، ووجهوا لنا انذارا رسميا صريحا مكتوبا بذلك .
وكانت تلك هى الاسس التى بنى عليها كل ما تلا ذلك حتى يومنا هذا .
* * * * * * * *
القاهرة فى يوليو 2009
التسميات: د. محمد سيف الدولة
0 التعليقات:
إرسال تعليق