إبحث فى المدونة والروابط التابعة
بعلزبول .. ملك العالم السفلى

نتن ياهووووووووووووووووووووووووو
في 17 أغسطس/ آب 2006، أي أثناء الحرب العربية الإسرائيلية السادسة، وبينما كانت الطائرات الإسرائيلية تدك المدن والقرى والبنية التحتية اللبنانية وتُسيل دم المدنيين، نشرت صحيفة معاريف مقالا كتبه الصحافي يونتان شيم بعنوان "أسست تل أبيب في العام 1909 وفي العام 2009 ستصبح أنقاضا".
جاء في المقال "أنه قبل مائة عام أقاموا أولى المدن العبرية، وبعد مائة عام من العزلة قضي أمرها". ما الذي يدعو مثل هذا الكاتب للحديث عن النهاية، نهاية إسرائيل، في وقت بلغت فيه القوة العسكرية الإسرائيلية ذروتها، وتجاوز الدعم الأميركي، السياسي والمالي والعسكري، لها كل الحدود والخطوط الحمراء؟ كيف يمكن تفسير هذا الموقف؟
ابتداء لا بد أن نذكر حقيقة تاهت عن الكثيرين في العالم العربي، وهي أن موضوع نهاية إسرائيل متجذر في الوجدان الصهيوني. فحتى قبل إنشاء الدولة أدرك كثير من الصهاينة أن المشروع الصهيونى مشروع مستحيل وأن الحلم الصهيوني سيتحول إلى كابوس.
وبعد إنشاء الدولة وبعد أن حقق المستوطنون الصهاينة "النصر" على الجيوش العربية تصاعد هاجس النهاية.
ففي العام 1954 قال موشيه ديان وزير الدفاع والخارجية الإسرائيلي، في جنازة صديق له قتله الفدائيون الفلسطينيون "علينا أن نكون مستعدين ومسلحين، أن نكون أقوياء وقساة، حتى لا يسقط السيف من قبضتنا وتنتهي الحياة".
النهاية، ماثلة دائما في العقول، فالضحايا الذين طردوا من ديارهم تحولوا هم وأبناؤهم إلى فدائيين يقرعون الأبواب يطالبون بالأرض التي سلبت منهم.
ولذا فإن الشاعر الإسرائيلي حاييم جوري يرى أن كل إسرائيلي يُولَد "وفي داخله السكين الذي سيذبحه"، فهذا التراب (أي إسرائيل) لا يرتوي"، فهو يطالب دائما "بالمزيد من المدافن وصناديق دفن الموتى". في الميلاد يوجد الموت وفي البداية توجد النهاية.
وتتناول قصة "في مواجهة الغابة" التي كتبها الروائي الإسرائيلي أبراهام يهوشوا في النصف الأول من الستينيات الحالة النفسية لطالب إسرائيلي عين حارسا لغابة غرسها الصندوق القومي اليهودي في موقع قرية عربية أزالها الصهاينة مع ما أزالوه من قرى ومدن.
ورغم أن هذا الحارس ينشد الوحدة، فإنه يقابل عربيا عجوزا أبكم من أهل القرية يقوم هو وابنته برعاية الغابة، وتنشأ علاقة حب وكره بين العربي والإسرائيلي، فالإسرائيلي يخشى انتقام العربي الذي أصيب بعاهته أثناء عملية التنظيف العرقي التي قام بها الصهاينة عام 1948.
ولكن ورغم هذا يجد نفسه منجذبا إلى العجوز العربي بصورة غير عادية، بل يكتشف أنه يحاول، بلا وعي، مساعدته في إشعال النار في الغابة.
وفي النهاية، عندما ينجح العربي في أن يضرم النار في الغابة، يتخلص الحارس من كل مشاعره المكبوتة، ويشعر براحة غريبة بعد احتراق الغابة، أي بعد نهاية إسرائيل!
وفي اجتماع مغلق في مركز الدراسات السياسة والإستراتيجية في الأهرام أخبرنا الجنرال الفرنسي أندريه بوفر، الذي قاد القوات الفرنسية في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بواقعة غريبة، كان هو شاهدها الوحيد.
فقد ذهب لزيارة إسحق رابين في منتصف يونيو/ حزيران 1967 أى بعد انتهاء الحرب بعدة أيام، وبينما كانا يحلقان في سماء سيناء والقوات الإسرائيلية المنتصرة في طريق عودتها إلى إسرائيل بعد أن أنجزت مهمتها، قام الجنرال بوفر بتهنئة رابين على نصره العسكري، ففوجئ به يقول "ولكن ماذا سيتبقى من كل هذا؟" “what will remain of it?” all. في الذروة أدرك الجنرال المنتصر حتمية الهوة والنهاية.
إن موضوع النهاية لا يحب أحد في إسرائيل مناقشته، ولكنه مع هذا يُطل برأسه في الأزمات، فأثناء انتفاضة 1987، حين بدأ الإجماع الصهيوني بخصوص الاستيطان يتساقط، حذر إسرائيل هاريل المتحدث باسم المستوطنين من أنه إذا حدث أى شكل من أشكال الانسحاب والتنازل (أى الانسحاب من طرف واحد). فإن هذا لن يتوقف عند الخط الأخضر (حدود 1948)، إذ سيكون هناك انسحاب روحى يمكن أن يهدد وجود الدولة ذاتها (الجيروزاليم بوست 30 يناير/ كانون الثاني 1988).
وأخبر رئيس مجلس السامرة الإقليمى شارون (فى مشادة كلامية معه) "إن هذا الطريق الدبلوماسى هو نهاية المستوطنات، إنه نهاية إسرائيل" (هآرتس 17 يناير/كانون الثانى 2002). ويردد المستوطنون أن الانسحاب من نابلس يعنى الانسحاب من تل أبيب.
ومع انتفاضة الأقصى تحدثت الصحف الإسرائيلية عدة مرات عن موضوع نهاية إسرائيل، فقد نشرت جريدة يديعوت أحرونوت (27 يناير/كانون الثانى 2002) مقالا بعنوان "يشترون شققا فى الخارج تحسبا لليوم الأسود"، اليوم الذى لا يحب الإسرائيليون أن يفكروا فيه، أى نهاية إسرائيل.!
والموضوع نفسه يظهر في مقال ياعيل باز ميلماد (معاريف 27 ديسمبر/ كانون الأول 2001) الذي يبدأ بالعبارة التالية "أحاول دائما أن أبعد عنى هذه الفكرة المزعجة، ولكنها تطل في كل مرة وتظهر من جديد، هل يمكن أن تكون نهاية الدولة كنهاية الحركة الكيبوتسية؟ ثمة أوجه شبه كثيرة بين المجريات التي مرت على الكيبوتسات قبل أن تحتضر أو تموت، وما يجرى في الآونة الأخيرة مع الدولة".
وقد لخص جدعون عيست الموقف في عبارة درامية "ثمة ما يمكن البكاء عليه: إسرائيل" (يديعوت أحرونوت 29 يناير/ كانون الثاني 2002).
بل إن مجلة نيوزويك (2 أبريل/ نيسان 2002) صدرت وقد حمل غلافها صورة نجمة إسرائيل، وفي داخلها السؤال التالي "مستقبل إسرائيل: كيف سيتسنى لها البقاء؟". وقد زادت المجلة الأمور إيضاحا حين قالت: "هل ستبقى الدولة اليهودية على قيد الحياة؟ وبأي ثمن؟ وبأية هوية؟".
ولكن ما يهمنا في هذا السياق ما قاله الكاتب الإسرائيلي عاموس إيلون: الذي أكد أنه في حالة يأس لأنه يخشى أن يكون الأمر قد فات". ثم أضاف "لقد قلت لكم مجرد نصف ما أخشاه" (النصف الثانى أن الوقت قد فات بالفعل).
ويتكرر الحديث عن نهاية إسرائيل في مقال إيتان هابر بعنوان "ليلة سعيدة أيها اليأس.. والكآبة تكتنف إسرائيل" (يديعوت أحرونوت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001). يشير الكاتب إلى أن الجيش الأميركي كان مسلحا بأحدث المعدات العسكرية، ومع هذا يتذكر الجميع صورة المروحيات الأميركية تحوم فوق مقر السفارة في سايجون، محاولة إنقاذ الأميركيين وعملائهم المحليين في ظل حالة من الهلع والخوف حتى الموت. إن الطائرة المروحية هي رمز الهزيمة والاستسلام والهروب الجبان في الوقت المناسب.
ثم يستمر الكاتب نفسه في تفصيل الموقف "إن جيش الحفاة في فيتنام الشمالية قد هزم المسلحين بأحدث الوسائل القتالية. ويكمن السر في أن الروح هي التي دفعت المقاتلين وقادتهم إلى الانتصار. الروح تعنى المعنويات والتصميم والوعي بعدالة النهج والإحساس بعدم وجود خيار آخر. وهو ما تفتقده إسرائيل التي يكتنفها اليأس".
أما أبراهام بورج فيقول في مقال له (يديعوت أحرونوت، 29 أغسطس/ آب 2003) إن "نهاية المشروع الصهيوني على عتبات أبوابنا. وهناك فرصة حقيقية لأن يكون جيلنا آخر جيل صهيوني".
قد تظل هناك دولة يهودية، ولكنها ستكون شيئا مختلفا، غريبة وقبيحة.. فدولة تفتقد للعدالة لا يمكن أن يكتب لها البقاء.. إن بنية الصهيونية التحتية آخذة في التداعي.. تماما مثل دار مناسبات رخيصة في القدس، حيث يستمر بعض المجانين في الرقص في الطابق العلوي بينما تتهاوى الأعمدة في الطابق الأرضي".
ثم، أطل الموضوع برأسه مجددا في مقال ليرون لندن (يديعوت أحرونوت 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2003) بعنوان "عقارب الساعة تقترب من الصفر لدولة إسرائيل"، وجاء فيه "في مؤتمر المناعة الاجتماعية الذي عقد هذا الأسبوع، علم أن معدلا كبيرا جدا من الإسرائيليين يشكون فيما إذا كانت الدولة ستبقى بعد 30 سنة. وهذه المعطيات المقلقة تدل على أن عقارب الساعة تقترب من الساعة 12، (أي لحظة النهاية)، وهذا هو السبب في كثرة الخطط السياسية التي تولد خارج الرحم العاقر للسلطة".
وحينما أصدرت محكمة العدل الدولية حكمها بخصوص الجدار العازل وعدم شرعيته بدأ الحديث على الفور عن أن هذه هى بداية النهاية.
والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا هاجس النهاية الذي يطارد الإسرائيليين؟ سنجد أن الأسباب كثيرة، ولكن أهمها إدراك المستوطنين الصهاينة أن ثمة قانونا يسري على كل الجيوب الاستيطانية، وهو أن الجيوب التي أبادت السكان الأصليين (مثل أميركا الشمالية وأستراليا) كتب لها البقاء، أما تلك التي أخفقت في إبادة السكان الأصليين (مثل ممالك الفرنجة التي يقال لها الصليبية والجزائر وجنوب أفريقيا) فكان مصيرها الزوال.
ويدرك المستوطنون الصهاينة جيدا أن جيبهم الاستيطاني ينتمي لهذا النمط الثاني وأنه لا يشكل أي استثناء لهذا القانون، إن الصهاينة يدركون أنهم يعيشون في نفس الأرض التي أقيمت فيها ممالك الفرنجة وتحيط بهم خرائب قلاع الفرنجة، التي تذكرهم بهذه التجربة الاستيطانية التي أخفقت وزالت.
ومما يعمق من هاجس النهاية أن الوجدان الغربي والصهيوني يوحد من البداية بين المشروع الصليبي والمشروع الصهيوني ويقرن بينهما، فلويد جورج رئيس الوزارة البريطانية التي أصدرت وعد بلفور، صرح بأن الجنرال اللنبي الذي قاد القوات الإنجليزية التي احتلت فلسطين شن وربح آخر الحملات الصليبية وأعظمها انتصارا.
ويمكننا أن نقول إن المشروع الصهيوني هو نفسه المشروع الفرنجي بعد أن تمت علمنته، وبعد أن تم إحلال المادة البشرية اليهودية التي تم تحديثها وتطبيعها وتغريبها وعلمنتها محل المادة البشرية المسيحية.
لكل هذا يدرس العلماء الإسرائيليون المقومات البشرية والاقتصادية والعسكرية للكيان الفرنجي، والعلاقة بين هذا الكيان والوطن الأصلي المساند له. وقد وجه كثير من الباحثين الصهاينة اهتمامهم لدراسة مشكلات الاستيطان والهجرة التي واجهها الكيان الفرنجى ومحاولة فهم عوامل الإخفاق والفشل التي أودت به.
ولكن الاهتمام لا يقتصر على الدوائر الأكاديمية، فنجد أن شخصيات سياسية عامة مثل إسحق رابين وموشيه ديان يهتمون بمشاكل الاستيطان والهجرة. ففي سبتمبر/ أيلول 1970 عقد إسحق رابين مقارنة بين ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية حيث توصل إلى أن الخطر الأساسي الذي يهدد إسرائيل هو تجميد الهجرة، وأن هذا هو الذي سيؤدي إلى اضمحلال الدولة بسبب عدم سريان دم جديد فيها.
ويورى أفنيرى، الكاتب الصحفي الإسرائيلي، وعضو الكنيست السابق، كان من المستوطنين الصهاينة الذين أدركوا منذ البداية استحالة تحقيق المشروع أو الحلم الصهيوني.
ولذا كان ينشر منذ الخمسينيات مجلة هاعولام هزه (هذا العالم) التي تخصصت في توجيه النقد للسياسات الصهيونية. وكان أفنيرى يحذر الصهاينة من مصير ممالك الفرنجة التي لم يبق منها سوى بعض الخرائب.
وقد صدر له كتاب بعنوان إسرائيل بدون صهيونية ( 1968) عقد فيه مقارنة مستفيضة بين ممالك الفرنجة والدولة الصهيونية، فإسرائيل مثل ممالك الفرنجة محاصرة عسكريا لأنها تجاهلت الوجود الفلسطيني ورفضت الاعتراف بأن أرض الميعاد يقطنها العرب منذ مئات السنين.
ثم عاد أفنيري إلى الموضوع عام 1983، بعد الغزو الصهيوني للبنان، في مقال نشر في هاعولام هزه بعنوان "ماذا ستكون النهاية"، فأشار إلى أن ممالك الفرنجة احتلت رقعة من الأرض أوسع من تلك التي احتلتها الدولة الصهيونية، وأن الفرنجة كانوا قادرين على كل شيء إلا العيش في سلام، لأن الحلول الوسط والتعايش السلمي كانا غريبين على التكوين الأساسي للحركة.
وحينما كان جيل جديد يطالب بالسلام كانت مجهوداتهم تضيع سدى مع قدوم تيارات جديدة من المستوطنين، ما يعني أن ممالك الفرنجة لم تفقد قط طابعها الاستيطاني.
كما أن المؤسسة العسكرية الاقتصادية للفرنجة قامت بدور فعال في القضاء على محاولات السلام، فاستمر التوسع الفرنجي على مدى جيل أو جيلين. ثم بدأ الإرهاق يحل بهم، وزاد التوتر بين المسيحيين الفرنجة من جهة وأبناء الطوائف المسيحية الشرقية من جهة أخرى، ما أضعف مجتمع الفرنجة الاستيطاني، كما ضعف الدعم المالي والسكاني من الغرب.
وفي الوقت نفسه بدأ بعث إسلامي جديد، وبدأت الحركة للإجهاز على ممالك الفرنجة، فأوجد المسلمون طرقا تجارية بديلة عن تلك التي استولى عليها الفرنجة. وبعد موت الأجيال الأولى من أعضاء النخبة في الممالك، حل محلهم ورثة ضعفاء في وقت ظهرت فيه سلسلة من القادة المسلمين العظماء ابتداء من صلاح الدين ذي الشخصية الأسطورية حتى الظاهر بيبرس. وظل ميزان القوى يميل لغير صالح الفرنجة، ولذا لم يكن هناك ما يوقف هزيمتهم ونهايتهم ونهاية الممالك الصليبية!
لكل هذا عاد هاجس النهاية مرة أخرى بعد الحرب السادسة وبعد الصمود اللبناني العظيم في وجه الهمجية الإسرائيلية، وبعد إبداع المقاومة اللبنانية.
فقد اكتشف الصهاينة حدود القوة ووصلوا إلى مشارف النهاية، وكما قال المثقف الإسرائيلي شلومو رايخ "إن إسرائيل تركض من نصر إلى نصر حتى تصل إلى نهايتها المحتومة".
فالانتصارات العسكرية لم تحقق شيئا، لأن المقاومة مستمرة ما يؤدى إلى ما سماه المؤرخ الإسرائيلي يعقوب تالمون (نقلا عن هيغل) "عقم الانتصار". والله أعلم
التسميات: نهاية إسرائيل
إن غرضنا الذى نسعى إليه يحتم أن تنتهى الحروب بلا تغيير حدود ولا توسع إقليمى ، ويجب تطبيق هذا ما أمكن ، فإذا جرى الأمر على هذا قدر المستطاع تحولت الحرب إلى الصعيد الاقتصادى ، وهنا لا مفر أن تدرك الأمم - من خلال ما نقدمه من مساعدات - ما لنا من قوة فى تغليب فريق على آخر ، ومن التفوق ونفوذ اليد العليا الخفية. وهذا الوضع من شأنه أن يجعل الفريقين تحت رحمة عملائنا الدوليين ، الذين يملكون ملايين العيون اليقظة التى لا تنام ، ولهم مجال مطلق يعملون فيه بلا قيد ، وحينئذ تقوى حقوقنا الدولية العامة على محق الحقوق القومية الخاصة ، فى نطاق المعنى المألوف لكلمة حق ، فيتسنى لنا أن نحكم الشعوب بهذه الحقوق ، تماما كما تحكم الدول رعاياهم بالقانون المدنى داخل حدودها.
والأشخاص الذين نختارهم من صفوف الشعب اختيارا دقيقا ضامنا لنا أن يكونوا كاملى الاستعداد للخدمة الطائعة ، وألا يكونوا من طراز الرجال الذين سبق لهم التمرس بفنون الحكم والحكومة ، حتى يسهل اقتناصهم ووقوعهم المحكم فى قبضة يدنا ، فنتخذ منهم مخالب صيد ، ويتولاهم منا أشخاص أهل علم وعبقرية ، يكونون لهم مستشارين من وراء الستار واختصاصيين وخبراء ، وهؤلاء الرجال المختارون منا يكونون قد نشئوا منذ الصغر تنشئة خاصة ، وأهلوا لتصريف شئون العالم تأهيلا كاملا ، ويكون قد مر عليهم زمن وهم يرضعون معلوماتنا التى يحتاجون إليها من مناهجنا السياسية ودروس التاريخ ، ومن ملاحظة سير الحوادث وهى وهى تقع مع مرور الوقت. أما الجوييم فقد بعدت المسافة بينهم وبين أن يكونوا قادرين على الاهتداء إلى الحكمة بالملاحظة التاريخية غير المتحيزة ، إذ أقصى ما تبلغه استنارتهم هو الطرق النظرية على نمط رتيب ، دون أن يتعمقوا فى تسليط العين النافذة على نتائج الحوادث ، فليس لنا حاجة - فى هذه الحالة - أن نقيم لهم أى وزن ، فلندعهم فى حالهم وما يشتهون ويحبون حتى تأتى ساعة اقتناصهم ، أو يظلوا عائشين على الآمال تنتقل بهم من مشروع خيالى لاخر ، ويتباهون بما سبق لهم التمتع به من أمجاد ، وليبق هذا كله دورهم الرئيسى الذى يمثلونه. وقد نجحنا فى إقناعهم بأن ما لديهم من معلومات نظرية إنما هو من حر محصول العلم ، ومادام هذا هو غرضنا فعلينا - بواسطة صحفنا - أن نرسخ فيهم الاعتقاد بصحة ما يحملون من نظريات وآراء ، أما أهل الفكر منهم فينتفخون ازدهاء بما لهم من حظ المعرفة ، وتراهم غافلون عن الاستعانة بوضع التجربة على محك المنطق ، مندفعون إلى وضع نظرياتهم موضع العمل ، ولكن ما هو فى نظرهم علم ومعرفة إن هو إلا فى الواقع ما عنى عملاؤنا الاختصاصيون بتصنيفه لهم فى حذق ومهارة ، وهيأوا هذا كله لتتنور به أذهانهم على الاتجاه الذى نريد.
إياكم أن تعتقدوا - ولو للحظة واحدة - أن ما أقوله هو كلام قليل الجدوى ، فما عليكم إلا أن تتفكروا فيما صنعنا لإنجاح النظريات الداروينية والماركسية والنيتشوية ، أما نحن اليهود فما علينا إلا أن نرى بوضوح ما كان لتوجهاتنا من أثر خطير فى التلبيس على أفهام الجوييم فى هذا المجال.
ولابد لنا فى منهجنا هذا أن نأخذ بعين الاعتبار ما عند الأمم من فكر وخلق ونزعة واتجاه ، وإنما نفعل هذا لنحترز به من الانزلاق فى معالجتنا السياسية والتوجيه الإدارى ، فلا نتعثر ولا نكبو ، وان انتصار منهجنا - الموزعة أجزاؤه على مختلف النواحى توزيعا يصيب كل ناحية ، حسب أمزجة الشعوب التى تقع على طريقنا - إن انتصارنا المنتظر قد يفشل ويحبط دون إدراك الغاية ، إذا كان تطبيقنا للمنهج ليس مبنيا على الأحكام المستمدة من صفوة دروسنا الماضية ، نطبقها على ضوء الحاضر.
ولا يخفى أن فى أيدى دول اليوم آلة عظيمة تستخدم فى خلق الحركات الفكرية والتيارات الذهنية ، ألا وهى الصحف. والواجب عمله على الصحف التى فى قبضتنا أن تداوم على أن تصيح مطالبة بالحاجات التى يفترض أنها ضرورية وحيوية للشعب ، وأن تعرض شكاوى الشعب وتثير النقمة وتخلق أسبابها ، إذ أن فى هذه الصحف يتجسد انتصار حرية الرأى والفكر ، غير أن دولة الجوييم لم تعرف بعد كيف تستغل هذه الآلة فاستولينا عليها نحن ، وبواسطة الصحف نلنا القوة التى تحرك وتؤثر وبقينا وراء الستار. فمرحى للصحف وكفنا ملئ بالذهب ، مع العلم بأن هذا الذهب قد جمعناه مقابل بحار من الدماء والعرق المتصبب ، نعم قد حصدنا ما زرعنا ، ولا دمعة إن جلت وعظمت التضحيات من شعبنا ، فكل ضحية منا تساوى عند الله ألفا من ضحايا الجوييم.
التسميات: بروتوكولات حكماء صهيون
إننا نتناول كل فكرة على حدة ، ونمحصها تمحيصا بالمقارنة والاستنتاج ، حتى تتبين ماهيتها بذاتها ، ونرى ما يلابسها ويحيط بها من حقائق ، وأما أسلوب الكلام فنجرى عليه سهلا خاليا من زخارف الصناعة.
وما على أن أبدأ بشرحه الآن هو منهجنا فى العمل ، فأشرح ذلك من ناحيتين : وجهة نظرنا ، ووجهة نظر الجوييم (الأغيار أى غير اليهود).
وأول ما يجب أن يلاحظ أن الناس على طبيعتين : الذين غرائزهم سقيمة ، والذين غرائزهم سليمة ، والأولون أكثر عددا. ولهذا السبب فخير النتائج التى يراد تحقيقها من التسلط على الجوييم عن طريق الحكومات ، إنما يكون بالعنف والإرهاب ، لا بالمجادلات النظرية المجردة ، إذ أن كل امرئ مشتهاه الوصول إلى امتلاك زمام السلطة ، وكل فرد يود لو يصبح ديكتاتورا ، وقليلون الذين لا يشتهون التضحية بمصالح الجمهور من أجل منافعهم الخاصة.
ولعمرى ما هى الروادع التى تكف الحيوانات المفترسة عن الوثوب ، وهذه الحيوانات ما هى إلا الجوييم ؟ ومالذى قام فيهم حتى اليوم لضبط أحوالهم ؟
أما بدايتهم - بداية تكوين المجتمع - فإنهم كانوا مأخوذين بالقهر من القوة الغاشمة العمياء ، ولهذه القوة كانوا خانعين ، أما بعد ذلك فقد سيطر عليهم القانون الموضوع ، وهو القوة الغاشمة نفسها ولكنه جاء بزى مختلف فى المظهر لا غير. وأستنتج من هذا أنه بموجب قانون الطبيعة فالحق قوة.
والحرية السياسية إنما هى فكرة مجردة لا واقع حقيقى لها ، وهذه الفكرة - وهى الطعم فى الشرك - على الواحد منا أن يعلم كيف يطبقها حيث تدعو الضرورة ، لاستغواء الجماهير والجماعات إلى حزبه ، إبتغاء أن يقوم هذا الحزب فيسحق الحزب المناوئ له , وهو الحزب الذى بيده السلطة والحكومة.
وهذا العمل يصبح أهون وأيسر إذا كان الحزب المراد البطش به قد أخذته عدوى فكرة الحرية المسماة باسم الليبرالية ، وهذا الحزب مستعد من أجل إدراك هذه الفكرة المجردة أن ينزل عن بعض سلطته ، وهنا - جزما - يكون مطلع انتصار فكرتنا ، وتحدث حينئذ حال أخرى : فما للحكومة من زمام يكون قد استرخى وأخذ بالانحلال فورا ، وهذا من عمل قانون الحياة ، فتتسلط اليد الجديدة على الزمام وتجمع بعضه إلى بعض وتقيمه ، لأن القوة العمياء فى الأمة لا تقوى على البقاء يوما واحدا دون أن يكون لها من يهيمن عليها بالضبط والإرشاد ، ثم تمضى الحكومة الجديدة بالأمر , وجل ما تفعله أنها تحل محل الحكومة السابقة التى أنهكتها فكرة الليبرالية حتى أودت بها.
وهذه الحكومة مصيرها الاضمحلال ، سواء عليها أدفنت هى نفسها بالانتفاضات الآكلة بعضها بعضا من الداخل ، أو جرها هذا بالتالى إلى الوقوع فى براثن عدو من الخارج ، ففى الحالتين تعتبر أنها أصيبت فى مقاتلها ، فغدت أعجز من أن تقوى على النهوض لتقيل نفسها من عثرتها ، فإذا بها فى قبضة يدنا ، وحينئذ تأتى سلطة رأس المال وتكون جاهزة ، فتمد هذه السلطة بطرف حبل خفى إلى تلك الحكومة الجديدة ، فتتعلق به طوعا أو كرها لحاجتها الماسة إليه ، فإن لم تفعل هوت إلى القاع.
فإذا قال قائل من هواة الليبرالية إن كان هذا المنهج المتقدمة صورته يتنافى وشرع الأخلاق ، سألناه : إذا كان لكل دولة عدوان ، وجاز للدولة فى مكافحة العدو الخارجى أن تستعمل كل طريقة ووسيلة وحيلة ، دون أن يعد عليها هذا أو ذاك أنه شئ لا تقره الأخلاق ، أفلا يكون من باب أولى فى مكافحة العدو الداخلى ، الذى هو شر من ذلك ، وهو العدو المخرب لكيان المجتمع ومصالح الجمهور ، أن تستعمل تلك الوسائل للقضاء عليه ؟ وكيف يمكن القول أن هذا الأمر إذا جاز هناك فلا يجوز هنا ؟ والحق الذى لا ريب فيه أن تلك الوسائل إذا كانت مباحة مطلقة هناك ، فلا تكون منهيا عنها هنا.
ولعمرى كيف يمكن لأى حكيم بصير أن يأمل فى إدراك الفلاح والفوز فى قيادة الجماهير إلى حيث يريد ، إذا كانت عدته هى مجرد الاعتماد على منطق الرأى والإرشاد والجدل والمقال ، حينما تعترضه مقاومة ، أو يرميه خصم بعورة ولو كانت من الترهات ، وأصغت الجماهير لهذا وهى لا تذهب فى تحليل الأمور لأبعد من الظاهر السطحى ؟
فالسياسة مدارها غير مدار الأخلاق ، ولا شئ مشترك بينهما ، والحاكم الذى يخضع لمنهج الأخلاق لا يكون سائسا حاذقا ، فيبقى عرشه مهزوزا متداعيا ، وأما الحاكم اللبيب الذى يريد أن يبسط حكمه فيجعله وطيدا ، يجب عليه أن يكون ذا خصلتين : الدهاء النافذ ، والمكر الخادع. وأما تلك الصفات التى يقال أنها من الفضائل العالية ، كالصراحة فى إخلاص ، والأمانة فى شرف ، فهى تعد فى السياسة من النقائص لا الفضائل ، وهى تسرع بالحكام إلى أن يتدحرجوا من فوق عروشهم بلا منقذ لهم ، ويكون هذا أكيد لهم وأنكى وأقوى فى تفكيكهم وتهديمهم ، مما يمكن أن يأتيهم من أكبر عدو يتربص بهم. وتلك الصفات منابتها فى ممالك الجوييم وحكوماتهم ، فهى منهم وهم بها أولى. وحذار حذار أن نقبل نحن مثل هذا.
حقنا منبعه القوة. وكلمة "حق" وجدانية معنوية مجردة وليس على صحتها دليل ، ومفادها لا شئ أكثر من هذا : أعطنى ما أريد ، فأبرهن بهذا على أننى أقوى منك.
فأين يبدأ الحق وأين ينتهى ؟
إننى أجد فى كل دولة استولى الفساد على إدارتها ، ولم تبق هيبة ولا سطوة لقوانينها ، ولا مقامات مرعية لحكامها ، وانطلق الناس إلى مطالب الحقوق ينادون بمطلب جديد ويسقطون آخر كل ساعة ، فاختلطت دعاويهم وتضاربت ، وصار لكل حزب من الافتتان والهوى حق باسم الليبرالية ، أجد فى مثل هذا الموطن أن أهاجم باسم الحق وهو حق القوة ، فأنثر فى الهواء جميع هياكل الأنظمة والأجهزة الجوفاء ، وآتى بشئ جديد يحل محل الذاهب ، وأجعل نفسى سيدا حاكما على هؤلاء الذين تركوا لنا الحقوق التى كانوا يبنون عليها حكمهم ، وأما مصيرهم هم فهو الاستسلام إلى ما كانوا يحملون من عقائد ليبرالية.
وتتميز قوتنا فى هذه الحالة الرجراجة عن كل قوة أخرى بمميزات أمنع وأثبت وأقوى على رد العادية ، لأنها تبقى وراء الستار متخفية حتى يحين وقتها ، وقد نضجت واكتملت عدتها ، فتضرب ضربتها وهى عزيزة ، ولا حيلة لأحد فى النيل منها أو الوقوف فى وجهها.
ومن هذا الشر المؤقت الذى نكره على إيقاعه يخرج الخير ، وهو حكم الخير الجديد الذى لا تهزه ريح ، فيرد الأمور المنحرفة فى الحياة إلى نصابها ويجعلها فى الطريق القويم ، وكل هذا كانت الليبرالية قد مزقته. والنتائج تبرر الأسباب والوسائل ، فعلينا فى وضع منهجنا أن نراعى ما هو أفيد وضرورى أكثر مما نراعى ما هو أصلح وأخلاقى.
وأمامنا الآن مخطط ، وفى هذا المخطط رسم الطريق الذى يجب علينا أن نسلكه نحو غايتنا ، وليس لنا أن نحيد عن هذا قيد شعرة ، وإذا فعلنا ذلك مجازفة ومخاطرة فسنخسر نتائج عملنا لعدة قرون ، ويذهب كله سدى.
ولكى نوفق إلى بناء الأمور على ما نريد من الصحة والكمال فى أفعالنا ، لابد لنا أن نأخذ بعين الاعتبار ما يكون عليه جمهور الدهماء من طباع خسة ونذالة ، وتراخ وقلة استقرار ، وفقدان القدرة على فهم أمور حياتهم ، وافتقارهم إلى نظرة الجد وصحة العزم ، فهم متعامون عن رؤية مصالحهم. ويجب أن يكون واضحا أن قوة الدهماء عمياء ، تفتقر للشعور وللفهم والاستيعاب على نطاق المعقول ، وهى أبدا رهن أى استفزاز يستفزها من أى ناحية ، والأعمى لا يقود إلا الى الهاوية ، وفى النهاية يخرج أفراد من الدهماء ومن سواد الشعب من لا يعدون أن يكونوا ممن لا خبرة لهم ولا سابق تجربة ، وقد يكون لهم من النبوغ مظهر براق ، ولكن لقصورهم عن النفاذ إلى بواطن السياسة الخفية ، فإنهم لا يلبثون - إذا استطاعوا أولا بلوغ الزعامة والقيادة - أن يهووا ، فتهوى معهم الأمة وينتقض الحبل كله.
وإنما بوسع رجل واحد مجرب ، ربى منذ الصغر على فهم الحكم المستقل وتمرس به ، أن يعى ويزن جيدا الكلمات التى تتركب منا أبجدية السياسة.
ولا يتم وضع المخطط وضعا كاملا محكما إلى آخر مداه إلا على يد حاكم مستبد قاهر ، يقوم على ذلك حتى النهاية ، ثم يوزعه أجزاءه على أجهزة الدولة ، ونستنتج من هذا بالضرورة أن الوضع الذى ينبغى أن تكون عليه الدولة مع اللياقة والكفاية ، هو الوضع الذى يجتمع كله فى يد رجل مسئول. وبلا سلطة مطلقة لا حياة للحضارة ، والحضارة لا تقوم على الدهماء ولكن على من يقود الدهماء ، أيا من كان ذلك الرجل القائد ، فالدهماء قوة همجية ، وتظهر هذه القوة فى كل مناسبة ، وفى اللحظة التى تتسلم فيها الحرية وتجد نفسها قادرة على التصرف كيف تشاء تقع الفوضى فورا ، وهذا النوع من التخبط أسوأ أنواع التردى الإنسانى الأعمى.
أنظروا إلى الحيوانات المدمنة على المسكر تدور برؤوس دائخة ، ترى من حقها المزيد منه فتاناله إذا نالت الحرية ، فهذا لا يليق بنا ولا نسلك نحن هذه الدروب ، فشعوب الجوييم قد رنحتها الخمور ، وشبابهم قد استولت عليهم البلادة نتيجة ذلك ، فأخملتهم وألصقتهم بالبقاء على القديم الموروث الذى عرفوه ونشأوا عليه ، ويجب أن يزدادوا إغراء بأوضاعهم هذه على يد المعدين من جهتنا للدفع بهم فى هذا الاتجاه ، كالمعلمين المنتدبين للتعليم الخاص ، والخدم والمربيات والحاضنات فى بيوت الأغنياء ، والكتبة والموظفين فى الأعمال المكتبية وسواهم ، وكالنساء منا فى المقاصف وأماكن الملذات التى يرتادها الجوييم. وفى عداد هذا النوع الأخير أذكر ما يسمى عادة بمجتمع السيدات أو المجتمع النسائى ، حيث المعاشرة مباحة للفساد والترف ، وشعارنا ضد هذا : العنف ، وأخذ الناس بالحيلة حتى يعتقدوا أن هذا الشئ الذى تتعلق به الحيلة كأنه صحيح لا ريب فيه ، وإنما بالعنف وحده يتم لنا الغلبة فى الأمور السياسية ، ولا سيما إذا كانت أدوات العنف مخفية ، من المواهب الذهنية الضرورية لرجال السياسة. فالعنف يجب أن يتخذ قاعدة وكذلك المكر والخداع ، وما قلناه ينبغى أن يكون شعارا ، وكل هذا فائدته العملية أن يتخذ قاعدة فى الحكومات التى يراد أن تتخلى عن تيجانها تحت أقدام الممثل الجديد لعهد جديد ، وهذا الشر هو الوسيلة الوحيدة لبلوغ الغاية من الخير ، ولذلك لا ينبغى لنا أن نتردد فى استعمال الرشوة والخديعة والخيانة ، متى رأينا أن بهذا تتحقق الغاية ، وفى السياسة يجب على المسئول أن يعرف كيف تقتنص الفرصة فورا.
ودولتنا الماضية قدما فى طريقها - طريق الفتح السلمى - من حقها أن تبدل أهوال الفتن والحروب بما هو أخف وأهون وأخفى عن العيون ، وهو إصدار أحكام ضرورية بالموت من وراء ستار ، فيبقى الرعب قائما وقد تبدلت صورته ، فيؤدى ذلك إلى الخضوع الأعمى المطلوب.
قل إنها هى الشراسة ، ومتى كانت فى محلها ولا تتراجع إلى الرفق غدت عامل القوة الأكبر فى الدولة ، وان تعلقنا بهذا المنهج - ولا يراد به المكسب والمغنم فقط - بل نريده أيضا من أجل الواجب ، حتى نصل بالقافلة نحو النصر. ونعود فنقرر أنه العنف ، وأخذ الناس بالحيلة حتى يعتقدوا أن هذا الشئ الذى تتعلق به الحيلة كأنه صحيح لا ريب فيه.
فى الزمن الماضى كنا نحن أول من نادى فى جماهير الشعب بكلمات الحرية والعدالة والمساواة ، وهى كلمات لم تزل تتردد إلى اليوم ، ويرددها من هم أشبه بالببغاوات ، فأفسدوا على العالم رفاهيته كما أفسدوا على الفرد حريته الحقيقة ، وكانت قبل ذلك فى حرز من عبث الدهماء.
والذين يرجى أن يكونوا عقلاء حكماء من الجوييم وأهل فكر وروية ، لم يستطيعوا أن يفهموا شيئا من معانى هذه الألفاظ التى ينادون بها ، ولا أن يلاحظوا ما بينها من تناقض وتضارب ، وعجز أولئك أيضا عن أن يدركوا أن الدهماء قوة عمياء ، وأن النخبة الجديدة المختارة منهم لتولى المسئولية يفتقرون إلى التجربة. وهذه الأشياء كلها لم يفهم الجوييم من بواطنها وأسرارها شيئا ومع هذا فقد كانت عهود الحكم فى الماضى عند الجوييم تعتمد على هذه الأغاليط ، فكان الأب ينقل لابنه معرفة أصول السياسة ولا يشارك فيها أحدا إلا أفراد السلالة ، ولا أحد منهم يفتح هذا الباب للرعية ، ومع مرور الزمن أدى احتكار هذا الأمر فى السلالات إلى إصابته بالتشوش والإبهام حتى تلاشى واضمحل ، وهذا بالتالى ساعد فى إنجاح قضيتنا.
وفى جميع أنحاء الدنيا كان من شأن كلمات "الحرية" و"العدالة" و"المساواة" أن اجتذبت إلى صفوفنا على يد دعاتنا وعملائنا المسخرين من لا يحصيهم عدد من الذين رفعوا راياتنا بالهتاف ، وكانت هذه الكلمات واستغلالنا لها وتلاعبنا بها دائما هو السوس الذى ينخر فى رفاهية الجوييم ، ويقتلع الأمن والراحة من ربوعهم ، ويذهب بالهدوء ويسلبهم روح التضامن ، وينسف بالتالى جميع الأسس التى تقوم عليها دول الأغيار ، وهذا ساعدنا أيضا فى إحراز النصر ، فمما أعطانا القدرة على الوصول للورقة الرابحة هو سحق الامتيازات ، أو بتعبير آخر نسف أرستقراطية الجوييم نسفا تاما ، وقد كان أهل هذه الطبقة هم الدرع الوحيدة للدفاع عن الشعوب والبلدان فى وجهنا ، وعلى أنقاض أرستقراطية الجوييم بنينا أرستقراطية من طبقتنا الراقية المهذبة ، تتوجها أرستقراطية رأس المال ، وجعلنا أوصاف أرستقراطيتنا مستمدة من منبعين : المال ويقع أمره على عاتقنا ، والمعرفة وهى تستقى من حكمائنا الشيوخ ، وهى القوة الدافعة منهم.
والنصر الذى بلغناه قد جاء أيسر وأهون ، لأننا فى تعاملنا مع الناس الذين احتجنا إليهم كنا دائما نضرب على أدق الأوتار حساسية فى ذهن الإنسان ، مثل استغلال النهم للمال ، والشره للحاجات المادية والإفساد ، وكل واحدة من هذه النقائص الإنسانية إذا عملت وحدها كانت كافية لتشل نشاط الفرد كله ، وتجعل قوة إرادته مطاوعة مستجيبة للذى اشترى منه العمل.
وكان من شأن المعنى المجرد لكلمة "الحرية" أن ساعدنا فى إقناع الدهماء فى جميع البلدان أن حكوماتهم ماهى إلا حارس الشعب ، والشعب هو صاحب القضية ، فالحارس يمكن تبديله وتغييره ، كقفاز قديم ننبذه ونأتى بغيره.
وإنما هذه القدرة - القدرة على تبديل ممثلى الشعب - هى ما جعل الممثلين طوع أمرنا ، وأعطانا سلطة تسخيرهم.
التسميات: بروتوكولات حكماء صهيون